مَالِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ مِنْ الْإِنَاثِ أَوْ الزَّمْنَى مِنْ الذُّكُورِ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا قَضَى بِالنَّفَقَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَقْضِي بِذَلِكَ لَهُمْ فِي مَالِهِ أَيْضًا، وَقِيلَ: هَذَا لَا يَكُونُ مِنْهُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ يَكُونُ تَمْكِينًا لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ أُخِذَ حَقِّهِ، وَلَوْ تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَيُعِينُهُمْ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَقِيلَ: بَلْ هُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِعِلْمِهِ، كَمَا إذَا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ غَابَ.
ثُمَّ هَذَا نَظَرٌ مِنْهُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَلَا يَبْقَى بِدُونِ النَّفَقَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ حِفْظًا لِمِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظًا لِنَسْلِهِ. وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي مَالِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ وَالنَّظَرُ، وَإِنْ اسْتَوْثَقَ مِنْهُمْ بِكَفِيلٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ كَفِيلًا فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُفْقَدَ، أَوْ كَانَ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمُدَّةٍ فَكَانَ تَمَامُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفِيلِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَفَالَةٌ لِلْمَفْقُودِ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَخْذُ الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يَطْلُبُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُنَا خَصْمٌ طَالِبٌ، فَلِهَذَا يَسَعُهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ كَفِيلًا، وَلَمْ يُنْفِقْ مِنْ مَالِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ لَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ وِلَايَتَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لِلْمَفْقُودِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ مِنْ مَالِهِ فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلنَّظَرِ لَهُ، وَحِفْظُ الْعَيْنِ فِيمَا يَتَأَتَّى حِفْظُهُ نَظَرٌ لَهُ، فَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ سَمَّيْنَاهُمْ مُعِينٌ لَهُمْ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الْأَخْذِ إذَا ظَفِرُوا بِجِنْسِ حَقِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا عُرُوضًا وَلَا غَيْرَهَا فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا دَارٌ، وَاحْتَاجَ زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ إلَى النَّفَقَةِ لَمْ يَبِعْ لَهُمْ الدَّارَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ خَادِمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ مِلْكِهِ، فَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ مَحْضَ الْحِفْظِ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا لَا يَبِيعُهُ بِخِلَافِ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْمُوصِي، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ فِيهِ مَعْنَى حَقِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute