للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالطَّرِيقُ خَالِصٌ لَهُ فَجَارُ الطَّرِيقِ أَوْلَى بِهِ مِنْ جَارِ الْأَرْضِ دُونَ الطَّرِيقِ وَهَذَانِ بِمَنْزِلَةِ دَارَيْنِ؛ لِيُمَيِّزَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ جِوَارَ هَذَا غَيْرُ جِوَارِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا فِي الطَّرِيقِ أَخَذَ شُفْعَتَهُ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرِيكًا فِي النَّهْرِ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِمَا جَمِيعًا مِنْ جِيرَانِ الْأَرْضِ، وَالطَّرِيقُ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الشُّفْعَةُ فِي الْهِبَةِ]

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يُعَوِّضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ، وَإِنْ عَوَّضَهُ فَقِيمَةُ الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَوَّضَ الْغَيْرُ مِنْ هِبَتِهِ شِقْصًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالشُّفْعَةِ خِلَافٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا. هُوَ يَقُولُ: ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِحَاجَتِهِ إلَى دَفْعِ ضَرَرِ الْبَادِي بِسُوءِ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِ الْمِلْكِ فَتَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ مَتَى تَجَدَّدَ الْمِلْكُ لِلْجَارِ الْحَادِثِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةِ، إلَّا الْمِيرَاثَ، فَالْمِلْكُ لَا يَتَجَدَّدُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَبْقَى الْوَارِثُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُورِثِ، ثُمَّ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَخْذِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْمُتَمَلِّكِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَمَلِّكُ دَفَعَ بِمُقَابَلَتِهِ عِوَضًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ بِمُقَابَلَتِهِ عِوَضًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا يَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِذَلِكَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَخْذِ بِمِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يَمْلِكُ الْمُتَمَلِّكُ، فَأَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ، كَالْمِيرَاثِ، وَفِي الْهِبَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، فَيَكُونُ هَذَا إنْشَاءَ سَبَبٍ آخَرَ وَبِحَقِّ الشُّفْعَةِ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّمَ الشَّفِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي حُكْمِ السَّبَبِ الَّذِي بَاشَرَهُ، وَذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ لَا يَكُونُ حُكْمَ التَّبَرُّعِ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْمُعَارَضَةِ كَانَ أَحَقَّ بِالْعَرْضِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْبَائِعُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ أَحَقَّ بِالْأَخْذِ؛ لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي التَّبَرُّعِ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ مِلْكَهُ مِنْ إنْسَانٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِضَ بَيْعَهُ أَوَّلًا عَلَى جَارِهِ، وَلَا أَنْ يَهَبَهُ مِنْ جَارِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا السَّبَبِ.

فَإِنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ دَارًا عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْآخَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>