عَنْ الْوَاجِبِ: يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي التَّصَدُّقِ تُعْتَبَرُ الْمَالِيَّةُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ مَكَانَ الثَّوْبِ وَعِنْدَ النَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ يَظْهَرُ الْفَضْلُ، وَفِي الْهَدَايَا، وَالضَّحَايَا وَعِتْقِ الرِّقَابِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَالِيَّةُ حَتَّى لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِالْقِيمَةِ، فَلِهَذَا قُلْنَا إذَا صَارَ ضَامِنًا لِلْبَعْضِ ضَمِنَ الْكُلَّ.
وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ فَالْمُكْرِهُ ضَامِنٌ لِطَعَامِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَا يَخْرُجُ عَنْ جَمِيعِ الْوَاجِبِ، فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَجْوِيزُهَا عَنْ خَمْسَةِ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى النَّاذِرِ، فَالْمُكْرِهُ ظَالِمٌ لَهُ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَدْنَى، فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ طَعَامَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ، وَعَلَى النَّاذِرِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَوَجَبَ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ وَسَطٌ، فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِابْنَةِ مَخَاضٍ جَيِّدَةٍ غَرِمَ الْمُكْرِهُ، فَضْلَ قِيمَتِهَا عَلَى قِيمَةِ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَهُ فِي إلْزَامِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ جَازَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ الْمُتَصَدِّقِ فِي مِقْدَارِ الْوَسَطِ، فَلَا يَغْرَمُ الْمُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، فَيُمْكِنُ تَجْوِيزُ بَعْضِهِ عَنْ كُلِّهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ ابْنَةِ مَخَاضٍ جَيِّدَةٍ، فَبَلَغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَسَطٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَلِهَذَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ إلَّا ضَمَانُ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِكْرَاهِ فِي الْوِكَالَةِ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَوْ أَنَّ لِصًّا أَكْرَهَ رَجُلًا بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ، أَوْ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ التَّوْكِيلُ، وَنَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ مُبَاشَرَةِ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِهِمَا أَيْضًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ مُعَبِّرٌ، فَعِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْإِيقَاعِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جَعْلِ الْأَمْرِ فِي يَدِ الْغَيْرِ عَنْ إكْرَاهٍ، فَالتَّوْكِيلُ قِيَاسُهُ.
وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَكْرَهَهُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَالْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ مُكْرَهَيْنِ، فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ طَائِعًا بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبَيْعِ، وَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute