للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِالتَّخْيِيرِ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَا لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا.

(قَالَ) وَإِنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَهُوَ بِيَدِهِ فِي مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا التَّفْوِيضِ صِحَّةُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْهُمَا وَذَلِكَ يَكُونُ بِعِبَارَتِهِ وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِهِ فَكَانَ كَالْبَالِغِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِقِيَامِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ مِنْ مَجْلِسِهِ.

(قَالَ) وَإِنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلَيْنِ فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَمْرَ مِنْهُمَا فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ فِي أَيْدِيهِمَا لِيُرَوِّيَا النَّظَرَ فِي أَمْرِهَا وَنَظَرُ الْوَاحِدِ لَا يَقُومُ مَقَامَ نَظَرِ الْمَثْنَى بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ النَّظَرَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَنَابَهُمَا مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْعِبَارَةِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالْمَثْنَى سَوَاءٌ.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ أَمْرُك بِيَدِك يُرِيدُ اثْنَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا نِيَّةُ الْعُمُومِ فِي التَّفْوِيضِ فَالِاثْنَتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَنِيَّةُ الِاثْنَتَيْنِ فِي حَقِّهَا نِيَّةُ الْعَدَدِ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الْعَدَدِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحُرَّةُ عِنْدَهُ فِي ثِنْتَيْنِ فَهَذَا فِي حَقِّهَا نِيَّةُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ النِّكَاحِ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَلَا يَكُونُ هَذَا فِي حَقِّهَا إلَّا نِيَّةَ الْعَدَدِ فَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ إنْ رَدَّتْهُ الْيَوْمَ بَطَلَ كُلُّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي التَّخْيِيرِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا رَدَّتْ الْيَوْمَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا غَدًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.

(قَالَ) وَإِذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَهُمَا أَمْرَانِ حَتَّى إذَا رَدَّتْ الْيَوْمَ فَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْغَدِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ زُفَرُ يَقُولُ عَطَفَ أَحَدَ الْوَقْتَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ لَفْظِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا كَمَا فِي قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَلَكِنَّا نَقُولُ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْآخَرِ بَلْ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْأَمْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذِكْرِ الْوَقْتِ الثَّانِي امْتِدَادَ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَاقْتَضَى ضَرُورَةَ إيجَابِ أَمْرٍ آخَرَ فَأَمَّا إذَا قَالَ وَغَدًا فَأَحَدُ الْوَقْتَيْنِ مُتَّصِلٌ بِالْوَقْتِ الْآخَرِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَدِ لِامْتِدَادِ حُكْمِ الْأَمْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أَمْرٌ آخَرُ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الظِّهَارِ]

اعْلَمْ بِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>