كَانَ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مَا يَجِدُ مِنْ مِلْكِهِ قَائِمًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا قَبَضُوهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ قَبَضُوا جَمِيعَ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ شَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ وَشُفْعَتِهِ]
(قَالَ): وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُشَارِكَ حُرًّا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْمُكَاتَبِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَظْهَرُ فَإِنَّ عِنْدَهُ كَفَالَةَ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَلْزَمُ شَرِيكَهُ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْمُفَاوَضَةَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ إذَا كَفَلَ الْحُرُّ بِمَالٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَالُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْحُرَّ شَرِكَةَ عَنَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ صَارَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةَ.
(قَالَ): وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى وَلِلْمَوْلَى فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي حَقِّهِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ.
(قَالَ): وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ شَرِكَةِ الْعَنَانِ بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَأَكَّدَ بِالْعِتْقِ وَكَذَلِكَ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَيَبْقَى شَرِيكُهُ عَلَى وَكَالَتِهِ.
(قَالَ) وَإِنْ شَارَكَ الْغَيْرَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُفَاوَضَةِ، وَالْعَقْدُ إذَا بَطَلَ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَصِحُّ بِحُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَالَ): وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ انْقَطَعَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ كَانَ ثَابِتًا لَهُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالْإِمْضَاءِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْعَجْزِ لَهُ لِمَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute