لِأَنَّ رَأْيَ الْإِنْسَانِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدَّارَ بِعَجْزِهِ خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَا اشْتَرَى حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ وَأَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ إسْقَاطًا مِنْهُ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ بِهِ مِلْكُهُ فِي الْمُشْتَرَى حِينَ حَصَّلَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا حِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّارُ.
(قَالَ): وَلَا يُقْطَعُ الْمُكَاتَبُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ فَلَا يَتِمُّ إحْرَازُ الْمَالِ عَنْهُ، وَالْقَطْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِسَرِقَةِ مَالٍ مُحْرَزٍ قَدْ تَمَّ إحْرَازُهُ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ ابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ سَرَقَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ سَرَقَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ دَارَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَدْخُلُ عَادَةً فِي كُلِّ بَيْتٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَالِكُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَهُ فِي كَسْبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ.
(قَالَ) فَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَاشْتَرَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي مِثْلِهِ الْمُعْتَرِضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ إذَا مَلَكَ السَّارِقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ.
(قَالَ): وَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ رَجُلٍ وَلِذَلِكَ الرَّجُلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى السَّارِقِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَطَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ دَيْنَهُ فَقَضَى الْقَاضِي أَنْ يُبَاعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ، وَقَدْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِأَنْ يُبَاعَ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْسَانَ، وَقِيلَ فِي الِاسْتِحْسَانِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ صَارَتْ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ يُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهِ فَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَارَ الْمِلْكُ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute