للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّيْدَ، وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ رَدَّ الصَّيْدَ عَلَى الْكَلْبِ مَجُوسِيٌّ حَتَّى أَخَذَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ، فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْمُشَارَكَةُ بَلْ يَكُونُ الصَّيْدُ مَأْخُوذًا بِأَخْذِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فَكَانَ حَلَالًا، فَأَمَّا فِعْلُ الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُرْسِلْهُ صَاحِبُهُ، وَفِعْلُ السَّبُعِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ، وَيَجْتَمِعُ فِي الصَّيْدِ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ.

[أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ]

قَالَ: (وَإِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمُعَلَّمِ)؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْمُعَلَّمِ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ، وَفِي الْبَازِي الْإِجَابَةُ إذَا دَعَاهُ، فَكَمَا أَنَّ الْبَازِيَ إذَا فَرَّ مِنْهُ وَامْتَنَعَ مِنْ إجَابَتِهِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا فَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا، وَيَحْرُمُ مَا عِنْدَهُ مِنْ صَيُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَحْرُمُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِأَخْذِ تِلْكَ الصَّيُودِ، فَأَمَّا إذَا تَطَاوَلَ عَلَيْهِ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّرَ صَاحِبُهُ صَيُودَهُ لَمْ تَحْرُمْ تِلْكَ الصَّيُودُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يُتَوَهَّمُ نِسْيَانُ الْحِرْفَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ حِينَ اصْطَادَ تِلْكَ الصَّيُودَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا لِلشِّبَعِ لَا لِلْإِمْسَاكِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَهُمَا يَقُولَانِ قَدْ حَكَمْنَا بِالْحِلِّ فِي الصَّيُودِ الْمَأْخُوذَةِ، وَأَكْلُهُ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ مُحْتَمَلٌ قَدْ يَكُونُ لِفَرْطِ الْجُوعِ مَعَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ لِإِمْسَاكِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّمِ، وَمَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالشَّكِّ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: قَدْ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ جَاهِلًا حَتَّى قُلْنَا: لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ الَّذِي أُكِلَ مِنْهُ، وَلَا مَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُعَلَّمًا إلَّا أَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِذَلِكَ لِنَوْعِ اجْتِهَادٍ مَعَ بَقَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَالِاجْتِهَادُ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ لِنَوْعِ اجْتِهَادٍ مَعَ بَقَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَالِاجْتِهَادُ يَصْلُحُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي بَعْضِ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ، وَالْحِلُّ فِي الصَّيُودِ الْمُحَرَّزَةِ حُكْمٌ أَمْضَى بِالِاجْتِهَادِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ، فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالصَّيْدِ الَّذِي أُكِلَ مِنْهُ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحِرْفَةَ فِي الْكَلْبِ إذَا حَصَلَتْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً، فَلَا يُنْسَى أَصْلُهَا، وَلَكِنَّهَا تَضْعُفُ بِالتَّرْكِ زَمَانًا كَالْخِيَاطَةِ وَالرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْآدَمِيِّ، وَلَمَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا فِي الْحَالِ تَبَيَّنَ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا وَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْأَكْلَ لِلشِّبَعِ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ حِينَ كَانَ جَائِعًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَكْلَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ فِيهِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ حِينَ حَرُمَ تَنَاوُلُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>