للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقَامَةُ مَا يَقْبَلُ بِبَدَنِهِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِأَعْوَانِهِ وَأَحْزَابِهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ لَهُ عَلَى إبْقَاءِ مَا الْتَزَمَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُطَالَبًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ

[بَابُ بِضَاعَةِ الْمُفَاوِضِ]

قَالَ: (وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَبِيعَ بِضَاعَةً مَعَ رَجُلٍ، وَأَنْ يَدْفَعَ مُضَارَبَةً، وَأَنْ يُودِعَ)، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ شَرِيكَ الْعَنَانِ يَمْلِكُ هَذَا؛ فَالْمُفَاوِضُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْلَمُ تَصَرُّفًا مِنْهُ. قَالَ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ)، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إنَّمَا قَامَ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَةِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ دُونَ التَّبَرُّعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ وَلَا الصَّدَقَةَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ،. فَالِاقْتِرَاضُ فِي كَوْنِهِ تَبَرُّعًا كَالصَّدَقَةِ أَوْ فَوْقَهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ». وَقِيلَ: إنَّمَا جَعَلَ الثَّوَابَ فِي الْقَرْضِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ مُلْتَمِسَ الْقَرْضِ لَا يَأْتِيك إلَّا مُحْتَاجًا، وَالسَّائِلُ لِلصَّدَقَةِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ.

(وَذَكَرَ) الْحَسَنُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَقْرِضَ مَالَ الْمُفَاوَضَةِ مِنْ رَجُلٍ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَتَحَقَّقُهُ بِهِ. " وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ": لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَجَعَلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْأَدَاءِ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ. كَمَا أَنَّ الْكَفِيلَ مُتَبَرِّعٌ فِي الِالْتِزَامِ، وَلَكِنْ يُرْجِعُ بِمِثْلِ مَا يُؤَدِّي. ثُمَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا كَفَلَ بِمَالٍ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَيُجْعَلُ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ذَلِكَ رَاجِحًا لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ. " وَعِنْدَهُمَا ": كَفَالَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ. وَجَعَلَا مَعْنَى التَّبَرُّعِ فِيهِ رَاجِحًا لِذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ. قَالَ: (فَإِنْ أَقْرَضَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ضَامِنٌ نَصِفَ مَا أَقْرَضَ لِشَرِيكِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ، وَلَكِنْ لَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمُفَاوَضَةَ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ إنَّمَا اُخْتُصَّ بِمِلْكِ دَيْنٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْمُفَاوَضَةِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ مُسْتَوْجِبٌ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَقْرِضِ؛ فَكَانَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً.

قَالَ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ دَابَّةً بِغَيْرِ رَأْيِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، فِي الْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَهُوَ كَالتَّبَرُّعِ بِالْعَيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ - كَالْهِبَةِ - وَذَلِكَ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيه الْمُفَاوَضَةُ. قَالَ: (فَإِذَا فَعَلَ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ؛ كَانَ الْمُعِيرُ ضَامِنًا نَصِفَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ، فِي الْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي نَصِيبِهِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَهُ أَنْ يُعِيرَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ التَّاجِرَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>