اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، وَالْمُرَادُ بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تَأْخُذُ الزَّانِيَةُ شَرْطًا عَلَى الزِّنَا فَقَدْ كَانُوا يُؤَاجِرُونَ الْإِمَاءَ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: ٣٣] الْآيَةُ؛ لَمَّا قَرَنَ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ عَرَفْنَا أَنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ حَرَامٌ وَلَكِنَّا: نَقُولُ هَذَا النَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ قَدْ انْتَسَخَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي آخَرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَالَ إنَّ لِي حَجَّامًا وَنَاضِحًا أَفَأَعْلِفُ نَاضِحِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنَّ لِي عِيَالًا وَحَجَّامًا أَفَأَطْعِمْ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» فَالرُّخْصَةُ بَعْدَ النَّهْيِ دَلِيلٌ انْتِسَاخِ الْحُرْمَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «اُحْتُجِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ» وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْحَرَامِ لَا يَحِلُّ إيكَالُهُ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنْ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ» وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنْ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ: هَذَا النَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحِجَامَةِ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْإِشْفَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْنَى الْمَرْءَ بِهِ وَيُخَسِّسُهُ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَبْغُضُ سَفْسَافِهَا» وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكْتَسِبَ بِمَا لَا يُدِينُهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ بَعْضَ مَوَالِيهِ عَنْ كَسْبِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ حَجَّامٌ فَقَالَ: إنَّ كَسْبَكَ لَوَسِخٌ وَذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الرَّاعِي، وَإِنْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَقُولُ: إنْ كَانَ أَجِيرًا وَاحِدًا فَهُوَ أَمِينٌ كَالْمُودِعِ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مُشْتَرَكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ مِنْ فِعْلِهِ شُرِطَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَعِنْدَهُمَا مَا تَلِفَ بِمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ شَرْطٌ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ كُلِّ الرَّجُلِ يَسْتَصْنِعُ الشَّيْءَ]
(قَالَ:) - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ بِأَنَّ الْبُيُوعَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ، بَيْعُ عَيْنٍ بِثَمَنٍ، وَبَيْعُ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ بِثَمَنٍ وَهُوَ السَّلَمُ، وَبَيْعُ عَمَلٍ الْعَيْنُ فِيهِ تَبَعٌ وَهُوَ الِاسْتِئْجَارُ لِلصِّنَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْمَحِلِّ بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَالْعَيْنُ هُوَ الصَّبْغُ بِيعَ فِيهِ، وَبَيْعُ عَيْنٍ شُرِطَ فِيهِ الْعَمَلُ وَهُوَ الِاسْتِصْنَاعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute