للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَكَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَدَاوُد وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - يُجَوِّزُونَ بَيْعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ لِلْبَيْعِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَعْلُومٌ فِيهَا بِيَقِينٍ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي مُعَارَضَةِ هَذَا الْكَلَامِ لَمَّا حَبِلَتْ مِنْ الْمَوْلَى امْتَنَعَ بَيْعُهَا بِيَقِينٍ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَلَا يَقِينَ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ (فَإِنْ قَالَ) إنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا حُرًّا وَقَدْ عَلِمْنَا انْفِصَالَهُ عَنْهَا (قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَعْلَقُ مِنْ الْمَاءَيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ وَمَاؤُهَا جُزْءٌ مِنْهَا وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِجُزْءٍ مِنْهَا مَانِعٌ مِنْ بَيْعِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَرْتَفِعُ بِالِانْفِصَالِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَبَعْدَ مَا اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ. أَوْ إنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ: يُقَال أُمُّ وَلَدِهِ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تُوجِبُ الْعِتْقَ فَيَمْتَنِعُ الْبَيْعُ ضَرُورَةً وَبِالِانْفِصَالِ يَتَقَرَّرُ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَرْتَفِعُ ثُمَّ الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» «وَلَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهَا وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَعْتِقُهَا قَالَ قَدْ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ لَهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَفِي حَدِيث سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ» فَفِيهِ دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ وَانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِيهَا حِينَ لَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِيهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِحَاجَةِ الْمَوْلَى فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَحَدِيثُ «سَلَامَةَ بِنْتَ مَعْقِلٍ قَالَتْ اشْتَرَانِي الْحُبَابُ بْنُ عَمْرٍو فَوَلَدْت مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ فَجِئْتُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي وَلَدْتُ مِنْ الْحُبَابِ فَقَالَ مَنْ وَارِثُ الْحُبَابِ فَقَالَ أَبُو بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ أَعْتِقُوا هَذِهِ فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتُونَا حَتَّى نُعَوِّضَكُمْ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ وَارِثَ الْحُبَابِ كَانَ يُنْكِرُ وِلَادَتَهَا مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتِقَهَا احْتِيَاطًا وَوَعَدَهُ الْعِوَضَ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا ثَبَتَ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>