قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُرُّ شَعِيرٍ وَكُرُّ حِنْطَةٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لِأَنَّ الْقَفِيزَ الْآخَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ هُوَ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُرَّانِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَتِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ هُنَا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْدَ هَذَا، فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ أَوْ اتَّفَقَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَكْثَرِ هُوَ الْغَايَةُ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ مَا يُنْتَقَصُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ عِنْدَهُ مِنْ الْأَفْضَلِ أَوْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَإِحْدَى الْغَايَتَيْنِ لَمَّا صَارَ خَارِجًا وَجَبَ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِ وَجَعْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْضَلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُسَمَّى الْمَبْلَغِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يُسَمِّيهَا لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَيَقَّنِ دَرَاهِمُ ثَلَاثَةٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِكَلَامِ الْعَرَبِ مَبَانٍ ثَلَاثَةٌ الْفَرْدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ التَّثْنِيَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ فِي الْمُثَنَّى بِتَعَارُضِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يُعَارِضُ فَرْضَ الْمُثَنَّى فَيَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى الْمُفْرَدِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ لَزِمَهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَدْنَى التَّضْعِيفِ مَرَّةٌ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ لَفْظِهِ الْجَمْعُ فَيَصِيرُ تِسْعَةً فَبِالْمُضَاعَفَةِ مَرَّةً يَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا؛ لِأَنَّ بِالْمُضَاعَفَةِ يَصِيرُ سِتَّةً وَالْأَضْعَافُ جَمْعٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ، فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةٌ يَلْزَمُهُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَضْعَافُهَا ثَلَاثُونَ وَهِيَ غَيْرُ الْعَشَرَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَصَارَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute