للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلِمَةِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ.

فَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ رَأْسُك حُرٌّ يَعْتِقُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الطَّلَاقِ إنْ ذَكَرَ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، كَذِكْرِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ فَهُوَ فِي الْعَتَاقِ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت الْكَذِبَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ، أَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ أَوْ مَا أَنْتِ إلَّا حُرَّةٌ، فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ اشْتَمَلَ عَلَى النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ وَهَذَا آكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ، دَلِيلُهُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَ هَذَا كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِلْمُشَابَهَةِ، وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُون عَامًّا فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِهِ بِدُونِ النِّيَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بَدَنُك حُرٌّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ.

وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ لَوْ نَوَى فَقَالَ بَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِلْإِيجَابِ لَا لِلتَّشْبِيهِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَتَخْصِيصُهُ وَقْتًا أَوْ عَمَلًا لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ مَا وَصَفَهُ بِهِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ الْعِتْقَ، فَهُوَ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَا أُكَلِّفُك الْيَوْمَ هَذَا الْعَمَلَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ صِفَةً لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَلِهَذَا لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ.

[بَابُ عِتْقِ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

ذِكْر عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ».

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ جَزَاءً لِقَوْلِهِ مَنْ مَلَكَ مَعَ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ دُونَ الْمَالِكِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ: عَتَقَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ الْمِلْكُ مَعَ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا فِي لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَعْنَى بَيَانِ السَّبَبِ كَمَا قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَلِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ، أَوْ أُمَّهُ، أَوْ ابْنَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ، وَلَكِنْ لَا يَعْتِقُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ عَنْ وَالِدِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» فَفِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ إعْتَاقَهُ، وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقُهُ مَعْنًى؛ وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً فَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَلَا تَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>