للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْسَانًا - كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ يَبْرَأُ اسْتِحْسَانًا.

قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِيَقْطَعَهُ؛ جَازَ) لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ مُقَيَّدٌ، فَإِنَّ الثَّوْبَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْعِ مِنْ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْعِ يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا لِكِسْوَتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَخْتَصُّ بِمِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ صَاحِبِهِ. وَالشِّرَاءُ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا كَانَ صَحِيحًا - كَالْمَوْلَى إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ لِنَفْسِهِ، أَوْ رَبِّ الْمَالِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ الْمُضَارِبِ كَانَ صَحِيحًا -. قَالَ: (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ جَارِيَةً لِيَطَأَهَا، أَوْ طَعَامًا يَجْعَلُهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ؛ فَهَذَا الْبَيْعُ مُقَيَّدٌ يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ)، ثُمَّ نِصْفُ الثَّمَنِ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ. قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ لِلتِّجَارَةِ؛ كَانَ بَاطِلًا) لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، فَإِنَّ الْعَيْنَ قَبْلَ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ، وَالْعَقْدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الشَّرْعِيَّةَ أَسْبَابٌ مَشْرُوعَةٌ لِلْفَائِدَةِ، فَإِذَا خَلَتْ مِنْهَا كَانَتْ لَغْوًا، وَاللَّغْوُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ مِيرَاثٌ فَاشْتَرَاهُ الْآخَرُ لِلتِّجَارَةِ؛ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ مُفِيدٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ فِي الْمُفَاوَضَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَلَا يُفْسِدُ الْمُفَاوَضَةَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمِلْكِ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَقَدْ اُخْتُصَّ بِمِلْكِ مَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالٍ فِي الشَّرِكَةِ، فَتَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ.

(وَكَذَلِكَ) إنْ كَانَتْ أَمَةً لِأَحَدِهِمَا مِيرَاثًا، اشْتَرَاهَا الْآخَرُ مِنْهُ لِيَطَأَهَا.

[ارْتَدَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ]

قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ انْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً، فَكَذَلِكَ إذَا فَقَدَ مَوْتَهُ حُكْمًا، وَلِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا، وَلَا عِصْمَةَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أَلَا تَرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى، وَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ كَانَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِأَنَّ اللَّحَاقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْغِيبَةِ؛ فَلَا تُقْطَعُ الشَّرِكَةُ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ لِصَاحِبِهِ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَلَحَاقِهِ، مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُفَاوَضَةُ وَشَرِكَةُ الْعَنَانِ. فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا؛ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا قَدْ انْقَطَعَتْ بِتَمْوِيتِ الْقَاضِي إيَّاهُ حِينَ قَضَى بِلَحَاقِهِ. وَفِي رِدَّةِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ اخْتِلَافٌ وَكَلَامٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ. قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ وَلَمْ يَلْتَحِقْ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -)؛

<<  <  ج: ص:  >  >>