[بَابُ الْغَصْبِ فِي الرَّهْنِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتْلًا خَطَأً، ثُمَّ رَدَّهُ، فَدَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الرَّهْنِ وَقَدْ أَزَالَهَا عَنْهُ الْغَاصِبُ، فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ مَا لَمْ يُنْتَسَخْ فِعْلُهُ بِالرَّدِّ، كَمَا قَبَضَ، وَلَمْ يَرُدَّهُ هُنَا، كَمَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ فَارِغًا عَنْ الْجِنَايَةِ، وَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِهَا وَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الشَّغْلَ حِينَ دَفَعَ بِالْجِنَايَةِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ أَصْلًا وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ قَبْلَ الرَّدِّ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، فَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ لَهُ مَكَانَ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ مَا لَحِقَ مِنْ الْغُرْمِ إنَّمَا لَحِقَهُ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَمَا كَانَ يَتَوَصَّلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ إلَّا بِالْفِدَاءِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِمَّا فَدَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ مَكَانَ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ.
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَفَدَاهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ غُرْمَ الْفِدَاءِ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعَانِ بِالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ مَا غَرِمَا فَتَكُونُ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَجْنِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَلَكِنَّهُ أَفْسَدَ مَتَاعًا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنٍ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ رَدَّهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، إلَّا أَنْ يُصْلِحَهُ الْمُرْتَهِنُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِذَا بِيعَ بُدِئَ بِحَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الدَّيْنِ كَانَ فِي الرَّهْنِ وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا دَفَعُوا فِي الدَّيْنِ مِنْ عِنْدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ اُسْتُحِقَّ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُسَلَّمْ فِيهِ ثُمَّ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا فَاتَ مِنْ مَالِيَّتِهِ، قَدْ أَخْلَفَ بَدَلًا وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْغَاصِبِ، فَيَبْقَى جَمِيعُ الدَّيْنِ بِبَقَاءِ الْخَلْفِ.
وَلَوْ كَانَ حِينَ قَتَلَ قَتِيلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ رَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ عِنْدَهُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي تَمَلُّكِ نَفْسِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ حَقِّهِ حِينَ مَاتَ ثُمَّ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى يَدِهِ، كَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute