أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ تُرْكِيٌّ فَإِذَا هُوَ رُومِيٌّ أَوْ سِنْدِيٌّ جَازَ الْبَيْعُ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَحْصُلُ بِالْآخَرِ فَالْمَقْصُودُ بِالْجَارِيَةِ الِاسْتِفْرَاشُ وَالِاسْتِيلَادُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْغُلَامِ فَكَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ أَبْلَغَ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَبَيْنَ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ وَبِهِ فَارَقَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَيْنِ فِيهِمَا لَا يَتَفَاوَتُ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَذَلِكَ اللَّحْمُ أَوْ الِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي صِفَةِ الْمَقْصُودِ لَا فِي أَصْلِهِ فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا كَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْبُيُوعِ إذَا كَانَ فِيهَا شَرْطٌ.]
قَالَ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ صَحِيحٌ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ بِمَكَّةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: بَاطِلٌ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، فَقُلْتُ: هَؤُلَاءِ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلَّ الِاخْتِلَافِ فَعَجَّزَنِي أَنْ أَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ حُجَّتِهِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَأَعَدْتُ السُّؤَالَ عَلَيْهِ فَأَعَادَ جَوَابَهُ فَقُلْتُ: إنَّ صَاحِبَيْكَ يُخَالِفَانِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بِيَعٍ وَشَرْطٍ فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا «لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَبَى مَوَالِيهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ اشْتَرِي وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute