قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ الْخَبَرَ بِالْكَذِبِ، أَوْ طَلَاقًا مِنْ قَيْدٍ، فَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتَحْلَفَ لَهُ عَلَيْهِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُكْرِهِ.
[بَابُ زِيَادَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ رَجُلًا بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً، وَلَمْ يَدْخُلُ بِهَا، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ، فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ، فَلِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالثَّلَاثِ لِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْحِلِّ عَنْ الْمَحِلِّ، وَأَمَّا بِوَاحِدَةٍ، فَتَحْصُلُ إزَالَةُ الْمِلْكِ مَعَ بَقَاءِ الْحِلِّ فِي الْمَحَلِّ، وَهُمَا غَيْرَانِ، فَكَانَ هُوَ طَائِعًا فِيمَا أَتَى بِهِ، وَلِأَنَّ مَا زَادَ مِمَّا لَمْ يُكْرِهُوهُ عَلَيْهِ يُبَيِّنُهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ اثْنَتَيْنِ، وَهُمَا كَافِيَتَانِ فِي الْبَيْنُونَةِ وَتَأَكُّدِ نِصْفُ الصَّدَاقِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، أَوْ قِيلَ: لَهُ طَلِّقْهَا اثْنَتَيْنِ، وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي غَرِمَ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ بَعْضَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّلَفُ الْحَاصِلُ بِهِ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَأْمُورَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ إذَا، أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ تَقَعُ، وَالْمَأْمُورُ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ هَذَا بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ فَيَقْطَعَ يَدَهُ، فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ ثَنَّى، فَقَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفِعْلِ الْأَوَّلِ صَارَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ، فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ فِي الْفِعْلِ الثَّانِي طَائِعٌ، وَالْقِصَاصُ يَجِبُ عَلَى الْمُثَنَّى بِقَتْلِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ كَانَ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا فَفَعَلَ، ثُمَّ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً أُخْرَى بِعَصًا بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَضَرَبَهُ مِائَةً، وَعَشَرَةً، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الْفِعْلِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ، فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.
وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَانِ رَجُلًا بِالْعَصَا، وَالسَّوْطِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
فَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ بِالسَّيْفِ مُكْرَهًا، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ خَمْسِينَ سَوْطًا، فَمَاتَ، فَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْآمِرِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ، فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْمَحَلِّ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ، وَغَيْرُ الْمُوجِبِ، فَسَقَطَ الْقَوَدُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَكُونُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْآمِرِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ مَحْضٌ وَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute