للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ آخَرُ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ دَفَعَ إلَيَّ هَذِهِ الْأَلْفَ فُلَانٌ فَهِيَ لِفُلَانٍ فَلَوْ ادَّعَى الْأَلْفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهِيَ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ أَوَّلًا حِينَ الْإِقْرَارِ بِوُصُولِهِ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي حَصَلَ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ بِيَدِهِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ شَيْئًا وَالْمَالُ لِلدَّافِعِ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ بَرِئَ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ فَإِنَّ الْمُودَعَ مِنْ الْغَاصِبِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ يَبْرَأُ كَالْمُودَعِ مِنْ الْمَالِكِ.

وَإِذَا قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ دَفَعَهَا إلَيَّ فُلَانٌ فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْيَدِ لِلثَّانِي لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، فَإِنْ ادَّعَاهَا الدَّافِعُ فَعَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهَا مَا هِيَ لِفُلَانٍ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَقُولُ أَنَا.

وَإِنْ أَقْرَرْتَ بِأَنَّكَ دَفَعْتَهَا إلَيَّ، وَلَكِنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِفُلَانٍ، وَقَدْ رَدَدْتَهَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهَا مَا هِيَ لِفُلَانٍ ضَمِنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَلْفًا أُخْرَى الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فِيهِ سَوَاءٌ أَمَّا إذَا كَانَ دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا إقْرَارُ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْمَالَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الثَّانِي، فَإِذَا دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِتَبَيُّنِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ مَا أَتْلَفَ عَلَى الثَّانِي شَيْئًا وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الدَّفْعِ بَلْ الْقَاضِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لِلْأَوَّلِ سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى هَذَا الْقَضَاءِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا مِنْ الثَّانِي وَالْمُودَعُ بِهَذَا التَّسْلِيطِ يَصِيرُ ضَامِنًا كَمَا لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى سَرِقَةِ الْوَدِيعَةِ.

وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ أَقْرَضَنِيهَا فُلَانٌ آخَرُ فَادَّعَيَاهَا فَهِيَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهَا أَوَّلًا لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِهَا وَلِلْمُقْرِضِ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ أَلْفًا مِنْ الثَّانِي بِحُجَّةِ الْقَرْضِ وَالْقَبْضُ بِحُجَّةِ الْقَرْضِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمَقْبُوضِ عَلَى الْقَابِضِ.

وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ بَاعَنِيهِ فُلَانٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَالْعَبْدُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِلْآخَرِ فِي بَيْعِهِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ لَهُ وَيَقْضِي بِالْيَمِينِ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشِرَائِهِ مِنْ الثَّانِي وَيَثْبُتُ هَذَا السَّبَبُ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ تَامٌّ يَقْبِضُهُ فَيَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>