فِي عُنُقُ الْعَبْدِ يَدْفَعُهُ بِهِ مَوْلَاهُ أَوَيَفْدِيهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ وَيَرْجِعُ مَوْلَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الْأَرْشِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَقَدْ صَارَ غَاصِبًا لَهُ وَيَبْقَى حُكْمُ غَصْبِهِ مَا بَقِيَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا جُنِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَهُ فَارِغًا وَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَالْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ هُنَاكَ حُرٌّ، وَالْحُرُّ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ لَا يُصَرِّفُ الدَّابَّةَ وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِمَا فَسَارَتْ الدَّابَّةُ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ بِقَائِدٍ لِلدَّابَّةِ وَلَا سَائِقٍ لَهَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً حَيْثُ أَوْقَفَهَا وَلَمْ تَسِرْ حَتَّى ضَرَبَتْ رَجُلًا بِيَدِهَا، أَوْ رِجْلِهَا، أَوْ بِذَنَبِهَا، أَوْ كَدَمَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ حِينَ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَعَلَى الَّذِي أَوْقَفَهَا الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إيقَافِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْقَفَهَا فِي مِلْكِهِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي إيقَافِهَا فِي مِلْكِهِ، وَالْمُتَسَبِّبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ جِنَايَة الرَّاكِب.]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ أَيْ الدَّوَابُّ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَهِيَ تَسِيرُ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ السَّيْرَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَكُونُ حَقًّا لِلْجَمَاعَةِ يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ اسْتِيفَاؤُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَيْدُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ دُونَ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَرْءِ شَرْعًا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوُسْعُ وَلِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَةَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْمَشْيِ، وَالسَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ بِمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَأَمَّا مَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ لَوْ شَرْطنَا عَلَيْهِ صِفَةَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِهِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ: التَّحَرُّزُ عَنْ الْوَطْءِ عَلَى شَيْءٍ فِي وُسْعِ الرَّاكِبِ إذَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ جَانِيًا وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute