السَّابِقِ وَلِأَنَّ إدَامَةَ الْمِلْكِ دَلِيلُ الِاسْتِخْدَامِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ عَلَى خَادِمٍ لَا يَمْلِكُهَا أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهَا فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ الِاسْتِخْدَامِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِيَكُونَ طَالِبًا خِدْمَتَهَا بِاسْتِدَامَةِ ذَلِكَ الْمِلْكِ أَوْ لِيَجْعَلَ الِاسْتِخْدَامَ السَّابِقَ بِاعْتِبَارِهِ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْدُمَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْخَادِم وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ طَلَبُ الْخِدْمَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ خِدْمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَّخِذُ الْخَادِمَ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهَا وَضُوءًا أَوْ شَرَابًا، أَوْ أَشَارَ، أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا بِذَلِكَ فَقَدْ اسْتَخْدَمَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ ظَاهِرٌ مِمَّنْ تَرَفَّعَ عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ خَدَمَهُ بِالْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِهَا فَأَشَارَ إلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ إنْ أَعَانَتْهُ أَوْ لَمْ تُعِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ طَلَبُ الْإِعَانَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ تَفْعَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ حِينَئِذٍ حَتَّى تُعِينَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِعَانَةُ دُونَ الِاسْتِعَانَةِ، فَإِذَا ذَكَرَ السَّبَبَ وَعُنِيَ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ.
فَإِذَا حَلَفَ لَا يَخْدُمُهُ خَادِمُ فُلَانٍ فَجَلَسَ عَلَى مَائِدَةٍ مَعَ قَوْمٍ يَطْعَمُونَ، وَذَلِكَ الْخَادِمُ يَقُومُ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَدَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَوُجِدَ بِهِ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي حَقِّ الْحَالِفِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّ جِوَارِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْدُمْنَ الضِّيفَانَ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ مُضْطَرِبَاتِ الثَّدْيِ.
وَإِنْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَخْدَمَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَادِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالِاسْتِخْدَامُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا وَهُوَ مُتَعَارَفٌ أَيْضًا فَلِهَذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ الْيَمِينِ فِي الرُّكُوبِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا أَوْ بِرْذَوْنًا أَوْ بَغْلًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ رَكِبَ غَيْرَهَا مِنْ الدَّوَابِّ كَالْبَعِيرِ وَالْفِيلِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً وَعُرْفًا فَإِنَّ الدَّابَّةَ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣٨] الْآيَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّعْمِيمَ فِي كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ وَقَعَ يَمِينُهُ عَلَى فِعْلِ الرُّكُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute