للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ دَفَعَهُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَعَمِلَ بِهِ فَرَبِحَ، أَوْ وَضَعَ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، وَالْمُضَارَبَةُ الْأَخِيرَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْمَالُ فِي يَدِ رَبِّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْبِضَاعَةِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الثَّانِيَةُ تَنْقُضُ الْأُولَى، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَعِنْدَنَا رَبُّ الْمَالِ، فِي الْعَمَلِ مُعِينٌ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ اسْتَعَانَ بِهِ فَيَكُونُ عَمَلُهُ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ الْأَخِيرَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَالِكٌ لِلْمَالِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ لَا بِمُلْكِهِ الْمَالَ، فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ تُصَادِفْ مَحِلًّا فَكَانَتْ بَاطِلَةً.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَبَّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَيَبِيعَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ فَاشْتَرَى لَهُ فَرَبِحَ، أَوْ وَضَعَ كَانَ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى الْمُضَارِبِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَمَلِهِ أَجْرًا بِالشَّرْطِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ دَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالرُّبْعِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هُوَ وَرَبُّ الْمَالِ فَعَمِلَا فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمِلْكِهِ الْمَالَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِي هَذَا الْمَالِ وَحْدَهُ، فَاشْتِرَاطُ عَمَلِهِ بِعَدَمِ التَّخْلِيَةِ، فَإِذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ]

(قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -): وَإِذَا قَالَ الْمُضَارِبُ بَعْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ: شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَك ثُلُثَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِمَا مَلَكَ رَبُّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضَارِبُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا شُرِطَ لَهُ وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ بِبَيِّنَةٍ.

وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أَشْتَرِطْ لَك الرِّبْحَ، أَوْ قَالَ: اشْتَرَطْتُ لَك مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، أَمَّا فِي قَوْلِهِ: " شَرَطْتُ لَك مِائَةَ دِرْهَمٍ " فَظَاهِرٌ فَالْمُضَارَبَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ تَصِيرُ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " لَمْ أَشْتَرِطْ رِبْحًا "؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيَّنْ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَقَدْ وَفَّى الْعَمَلَ فَاسْتَحَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>