مِنْ مَكَّةَ. وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ أَيَّامًا، ثُمَّ يَصْدُرُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَصِرْ كَأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الصَّدَرِ مِنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَهَذَا عَلَى الصَّدَرِ مِنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ فَيَبْقَى عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدَرِ عَلَى حَالِهِ
(قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَضَاءِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَمِرِ الْمُقِيمِ فِي حَقِّ الْإِعْمَالِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدَرِ.
(قَالَ): رَجُلٌ قَصَدَ مَكَّةَ لِلْحَجِّ فَدَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَوَافَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَقَضَاهَا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَقَضَاهُ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ بِالْوَقْتِ بِالْعُمْرَةِ وَقَضَاهَا؛ لِأَنَّ الْوَاصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ حَاجًّا كَانَ أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِعُمْرَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ فَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَقْتِ فَيُلَبِّيَ مِنْهُ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ.
(قَالَ): وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقِيمَ فِي مَنْزِلِهِ حَرَامًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَبْعَثَ بِالْهَدْيِ، وَلَا يَحِلُّ بِالْهَدْيِ إنْ بَعَثَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لِلْمُحْصَرِ، وَهَذَا غَيْرُ مُحْصَرٍ بَلْ هُوَ فَائِتُ الْحَجِّ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ شَرْعًا فَلَا يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
[بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ]
(بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ) (قَالَ): وَالْعُمْرَةُ لَا تُضَافُ إلَى الْحَجِّ وَالْحَجُّ يُضَافُ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهَا شَيْئًا وَبَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعُمْرَةَ بِدَايَةً وَالْحَجَّ نِهَايَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] فَمَنْ أَضَافَ الْحَجَّةَ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَمَنْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَانَ فِعْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ مُسِيئًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا هُوَ قَارِنٌ فَإِنَّ الْقَارِنَ هُوَ جَامِعٌ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ بِأَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْحَجِّ فَهُوَ جَامِعٌ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ مُحْسِنًا وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ جَامِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَكَانَ مُسِيئًا لِهَذَا وَيَلْزَمُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْمُتَرَفِّقِ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦]، وَهُوَ شَاةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute