لَهُ رِقًّا لَا يَدًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَوَطْءُ الْمُشْتَرَكَةِ مُسْقِطٌ لِلْإِحْصَانِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مِلْكُهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ قَائِمٌ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَبِأَنْ يَلْزَمَهُ الْعُقْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ كَالزَّوْجَةِ
(قَالَ) فَإِنْ وَطِئَ أُمَّتَهُ الَّتِي هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِوَطْءِ أَبِيهِ إيَّاهَا أَوْ بِوَطْئِهِ أُمَّهَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُصَاهَرَةِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً فَهُوَ نَظِيرُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ أَمَةٍ بِشَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ رَجُلٌ حُدَّ قَاذِفُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْيِيدِ، فَإِنَّ اللَّمْسَ وَالتَّقْبِيلَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كَالزِّنَا، فَإِنَّ أَبَاهُ لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ فَوَطِئَهَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ اللَّمْسَ وَالتَّقْبِيلَ مُوجِبًا لِلْحُرْمَةِ، وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ نَصٌّ ظَاهِرٌ بَلْ نَوْعُ احْتِيَاطٍ أَخَذْنَا بِهِ مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى الْوَطْءِ مَقَامَ الْوَطْءِ وَبِمِثْلِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، فَإِنَّ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ نَصًّا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢]، فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ وَمَعَ وُجُودِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مَسْقِطٌ لِلْإِحْصَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَبِ يَطَأُ جَارِيَةَ ابْنِهِ
(قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ وَوَطِئَهَا سَقَطَ بِهِ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي مَعْنَى الزِّنَا
وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَبِالْوَطْءِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ عَالِمًا عِنْدَ الْوَطْءِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ سَقَطَ إحْصَانُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فِي الظَّاهِرِ هَذَا الْوَطْءُ حَلَالٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَعْذُورٌ لِجَهْلِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، فَأَمَّا الْوَطْءُ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فَيَكُونُ مُسْقِطًا لِإِحْصَانِهِ
[مَلَكَ أُخْتَيْنِ فَوَطِئَهُمَا]
(قَالَ) وَإِنْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ فَوَطِئَهُمَا حُدَّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى وَبِمِثْلِ هَذَا الْوَطْءِ لَا يَسْقُطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute