كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ بَيْتٌ مِنْ الدَّارِ وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتَانِ وَفِي يَدِ آخَرَ مَنْزِلٌ عَظِيمٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي جَمِيعَ الدَّارِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ وَسَاحَةُ الدَّارِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْيَدِ عَلَيْهَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَعْمِلٌ لِلسَّاحَةِ بِكَسْرِ الْحَطَبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَاتِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَرَثَةٍ كَانَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثُ السَّاحَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا دَارًا وَرَفَعُوا طَرِيقًا بَيْنَهُمْ صَغِيرًا أَوْ عَظِيمًا أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ جَرَى بَيْنَهُمْ عَنْ تَرَاضٍ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ دَارًا وَفِيهَا كَنِيفُ شَارِعٍ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ أَوْ ظُلَّةٌ فَلَيْسَ يَحْسِبُ ذَرْعَ الظُّلَّةِ وَالْكَنِيفِ فِي ذَرْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ ذَلِكَ طَرِيقٌ هُوَ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يُذَرَّعُ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ بَيْنَهُمْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَفْعِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلشُّرَكَاءِ فِيهِ إلَّا فِي نَقْضِ الْبِنَاءِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فَأَمَّا أَنْ يُذَرَّعَ مَعَ ذَرْعِ الدَّارِ فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الظُّلَّةُ عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ قَدْ كَانَ ذَرَّعَهَا يَحْسِبُ فِي ذَرْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ حَقَّ قَرَارِ الظُّلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ مُشْتَرَكٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عُلُوٍّ فِي الدَّارِ سُفْلُهُ لِغَيْرِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ بِالذَّرْعِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ قِسْمَةِ الدَّارِ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا لِمَيِّتٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ قَلِيلًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ كَثِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ؛ فَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَالْقِسْمَةُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَأَمَّا إذَا قَلَّ الدَّيْنُ؛ فَلِأَنَّهُ شَاغِلٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْإِحْرَازِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ قَبْلَ أَوَانِهَا فَهُوَ كَقِسْمَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ بِعْتُهُ فِي الدَّيْنِ وَنَفَّذْت الْقِسْمَةَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالِ الْمَيِّتِ مَحَلٌّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَانِعُ لِلْقِسْمَةِ قِيَامُ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ مَحَلِّهِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْقِسْمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ فَأَدَّى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَوْ إبْرَاءِ الْغَرِيمِ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ إمَّا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ أَوْ بِسُقُوطِ دَيْنِهِ بِالْإِبْرَاءِ وَكَمَا أَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ تَنْفُذُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute