وَاحِدٍ جَازَتْ الْحَوَالَةُ مِنْهُمَا كَمَا تَجُوزُ مِنْ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا بِالْمَالِ
وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَحْتَالُ بِدَيْنِ الْيَتِيمِ عَلَى رَجُلٍ أَمْلَأَ مِنْ غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ فَاحْتَالَ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا قُرْبَانُ مَالِهِ بِالْأَحْسَنِ فَإِنَّ حَيَاةَ الدَّيْنِ بِمَلَاءَةِ ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ. وَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى مَنْ هُوَ أَمْلَأُ: إظْهَارٌ لِلزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ وَتَيَسُّرُ الْوُصُولِ إلَى مَالِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا نَظَرًا مِنْ حَقِّهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَمْرِ بِنَقْدِ الْمَالِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يَنْقُدَ عَنْهُ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَنَقَدَهَا؛ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْآمِرِ اسْتِقْرَاضٌ مِنْ الْمَأْمُورِ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ نَقْدُهُ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُودُ مِلْكًا لَهُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ الْأَلْفَ وَوَكَّلَ صَاحِبَ دَيْنِهِ بِأَنْ يَقْبِضَ لَهُ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَالٍ يُؤَدِّيهِ مِنْ عِنْدِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَيْنَ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُنَاكَ يَثْبُتُ لِلْمَأْمُورِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ بِمَا يُؤَدِّي فَكَذَلِكَ هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اُنْقُدْ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: اقْضِهِ عَنِّي كَذَا أَوْ قَالَ: اقْضِهِ مَا لَهُ عَلَيَّ، أَوْ ادْفَعْ إلَيْهِ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ، أَوْ ادْفَعْ عَنِّي كَذَا، أَوْ أَعْطِهِ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَوْفِهِ مَالَهُ عَلَيَّ، فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهُ إقْرَارٌ مِنْ الْآمِرِ أَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ إمَّا لِقَوْلِهِ: عَنِّي أَوْ لِقَوْلِهِ: اقْضِهِ عَنِّي. فَإِنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَوْ لِقَوْلِهِ: أَوْفِهِ عَنِّي فَإِنَّ الْإِيفَاءَ يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَوْ قَالَ: اُنْقُدْهُ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا أَوْ عَلَى أَنِّي كَفِيلٌ بِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهَا لَك عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهُوَ سَوَاءٌ وَإِذَا نَقَدَهَا إيَّاهُ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْتِزَامِ ضَمَانِ الْمَنْقُودِ لَهُ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي إنْ نَقَدَهُ الدَّرَاهِمَ أَوْ نَقَدَهُ بِهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ بَاعَهُ بِهَا جَارِيَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا الدَّرَاهِمَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ. فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي الْحُكْمِ سَوَاءً.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الطَّالِبَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ إذَا حَلَفَ لَيَسْتَوْفِيَنَّ مَالَهُ عَلَيْك قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَك
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: ادْفَعْ إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَضَاءً وَلَمْ يَقُلْ: عَنِّي أَوْ قَالَ: اقْضِ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى أَنَّهَا لَك عَلَيَّ فَدَفَعَهَا الْمَأْمُورُ فَإِنْ كَانَ خَلِيطًا لِلْآمِرِ رَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ الْقَائِمَةَ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْقِضَاءِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ يَنُوبُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute