للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذَا اللَّفْظِ، ثُمَّ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ.

(وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَقَالَ: إنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ فُلَانٍ هَذَا الَّذِي عِنْدَكَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَهُ مِنْكَ فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَالْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ لَهُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْمُعِيرِ الْأَمْرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا حَلَفَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قِيلَ:) لِمَاذَا لَمْ تَجْعَلْ هَذِهِ إعَارَةً مِنْ الْمُسْتَعِيرِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ

(قُلْنَا) الْمُسْتَعِيرُ إذَا أَعَارَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُقِيمُهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الِانْتِفَاعِ وَإِمْسَاكِ الْعَيْنِ، فَيَكُونُ يَدُ الثَّانِي كَيَدِ الْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَتَى شَاءَ، وَهُنَا تَسْلِيمُهُ إلَى الثَّانِي لَمْ يَكُنْ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ بِطَرِيقِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمُعِيرِ مِنْهُ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِيمَا ادَّعَى، فَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْ الْمَالِكِ، وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ ظَلَمَهُ حِينَ ضَمِنَهُ، وَمَنْ ظَلَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَ ظَالِمِهِ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ فَقَبَضَ الْعَارِيَّةَ مِنْهُ خَادِمَ الْمُعِيرَ، وَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّدَّ عَلَى خَادِمِ الْمُعِيرِ كَالرَّدِّ عَلَى الْمُعِيرِ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَلَا خَادِمَهُ فَرَبَطَهَا فِي دَارِ صَاحِبِهَا عَلَى مَعْلَفِهَا فَضَاعَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهَا حِينَ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى أَحَدٍ يَحْفَظُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُضَيِّعًا ضَامِنًا فَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَهَا فِي مَوْضِعِهَا الْمَعْرُوفِ، وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَكَانَ يَرْبِطُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَكَذَلِكَ إذَا رَبَطَهَا بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِلْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَأْخُذُ الدَّابَّةَ مِنْ مَرْبِطِهَا، وَيَرُدُّهَا إلَى مَرْبِطِهَا فَيَثْبُتُ الْإِذْنُ لَهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهَا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دَلَالَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ مُحْتَاجٌ إلَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ بِنَسْخِ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ بِرَدِّهَا إلَى مَرْبِطهَا بَعْدَ مَا أَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِهَا، فَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَهُوَ أَمِينٌ، فَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَهُوَ التَّضْيِيعُ، وَقَدْ انْدَفَعَ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْبِطَ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ فَإِعَادَتُهَا إلَى الْمَرْبِطِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعَادَةِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا حُكْمًا.

[جَحَدَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهَا هَلَكَتْ]

(وَلَوْ جَحَدَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهَا هَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ ضَامِنًا بِالْجُحُودِ كَالْمُودَعِ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ، وَلَكِنْ قَالَ: قَدْ رَدَّدَتْهُ أَوْ ضَاعَ مِنِّي فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ فِي كُلِّ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْمُودَعُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.

(وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>