وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِامْرَأَتَيْنِ عَلَى زَوْجِ إحْدَاهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْأُخْرَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ قَاصَّهَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ أَوْ لَمْ يُقَاصَّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، ثُمَّ تَتْبَعُ ابْنَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ لِتَنَصُّفِ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَتْبَعَانِهَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَيْضًا فَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ أَثْلَاثًا.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: قَدْ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ بِفِعْلٍ مُبْتَدَأٍ بِالْمَطْلُوبِ مُتَحَتِّمٍ بِالطَّالِبِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِيفَاءِ فَكَانَ هَذَا وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ سَوَاءً، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا دَارًا بِحِصَّتِهِ مِنْهَا وَسَكَنَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِنَصِيبِهِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ وَهِيَ بِالِاسْتِيفَاءِ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ شَيْئًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ فَكَذَا هَذَا.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ أَصَابَ قِصَاصًا بِنَصِيبِهِ، فَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقٍ، فَإِذَا كَانَ بَدَلُ نَصِيبِهِ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا مُطْلَقًا لِشَرِيكِهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
[بَابُ الصُّلْحِ فِي السَّلَمِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ مِنْ السَّلَمِ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهُ رَدِّهِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَقْرَضِ، وَهَذَا لِأَنَّ إقَالَةَ السَّلَمِ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ فَسْخًا وَجَبَ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ لَا بِسَبَبِ عَقْدِ السَّلَمِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ أَدَّى إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute