للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَتَاهَا رَجُلٌ وَأَخْبَرَهَا أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَبَانَهَا وَوَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَيَضْمَنَ الْمَهْرَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَأَنْ يَكُونَ أَمَرَ هَذَا الرَّجُلَ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ؛ كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلًا وَالْكَفَالَةُ الْمُثْبَتَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ. وَإِذَا أَقَرَّ لِمَعْرُوفِ نَسَبٍ أَنَّهُ أَخُوهُ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْمِيرَاثِ.

وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْجِعُ هِيَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَلَوْ أَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا أَدَّى مِنْ الطَّلَاقِ وَتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَالْكَفَالَةِ؛ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ ثُمَّ يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ فَصَارَ خَصْمًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[بَابُ الْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بَرِيءٌ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَضَمِنَهُ لَهُ عَلَى إبْرَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَلَا يَأْخُذُ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِهَا، وَالْأَلْفَاظُ قَوَالِبُ الْمَعَانِي. وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا حَوَالَةً لِتَصْرِيحِهِمَا بِمُوجَبِ الْحَوَالَةِ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ مَلَّكْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ بَيْعًا، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ يَتَقَارَبَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إقْرَاضٌ لِلذِّمَّةِ وَالْتِزَامٌ عَلَى قَصْدِ التَّوَثُّقِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَالِ أَيَّهمَا شَاءَ؛ كَانَتْ الْكَفَالَةَ فَإِذَا شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ بَرِيئًا؛ كَانَتْ الْحَوَالَةَ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَتْ وَإِلَيَّ وَعَلَيَّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَفَلْت. إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ كَانَتْ حَوَالَةً بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَلَوْ تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَادَ حَقُّ الطَّالِبِ إلَى الْمُحِيلِ وَلِلتَّوَى أَسْبَابٌ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَجْحَدَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الطَّالِبِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهَذَا أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّوَى كَالدُّرَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْبَحْرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَيَتَحَقَّقُ بِهِ التَّوَى عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَعُودُ الْمَالُ إلَى ذِمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>