للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ التَّخْصِيصُ فِي الْبَيْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْآمِرِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا الْوَكِيلَ مُخَالِفًا، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، فَيَكُونُ الْأَجْرُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْآمِرِ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا الْأَمْرَ هُنَا.

وَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْأَجْرِ، أَوْ الثَّمَنِ رَجُلًا لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُشْتَرِي بَرِيئَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ، فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ؛ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ ضَامِنٌ لِلْآخَرِ؛ إنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ وَكِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ كَقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ فِي الْمَقْبُوضِ أَمِينٌ، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ؛ صَارَ ضَامِنًا لِلْآمِرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا الْوَكِيلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا، أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَصَارَ ضَامِنًا لِلْآمِرِ.

وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ هِبَتُهُ، وَلَا إبْرَاؤُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ، فَقِيلَ: بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجَوِّزُ - تَأْجِيلَهُ.

كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ابْتِدَاءً؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّأْجِيلِ إسْقَاطُ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَقِيلَ: بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ: أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ، يَصِيرُ الْوَكِيلُ بِهِ ضَامِنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَلَا يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابٌ مِنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَتَى قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ، بِمَا سَمَّى لَهُ، جَازَ التَّوْكِيلُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِعَيْنِهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ شَيْءٌ آخَرُ، يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِمَا سُمِّيَ لَهُ كَانَ هَذَا عَقْدًا مُقَيِّدًا لِلْمَقْصُودِ، فَصَحَّ وَإِلَّا فَلَا.

وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ مَا سَمَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ؛ إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ سَوَاءٌ سُمِّيَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُسَمَّ، لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ جَهَالَةٌ مُتَفَاحِشَةٌ، وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالثَّمَنِ لَا يُصَيِّرُ الْجِنْسَ مَعْلُومًا بِهَا، فَإِنَّ كُلَّ جِنْسٍ فِيهِ مَا يُوجَدُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا سَمَّى الْجِنْسَ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ، أَوْ النَّوْعَ جَازَ التَّوْكِيلُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ بَيَانَ مِقْدَارِ الثَّمَنِ يُصَيِّرُ النَّوْعَ مَعْلُومًا.

وَإِنْ سَمَّى الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ سَوَاءٌ سُمِّيَ الثَّمَنُ، أَوْ لَمْ يُسَمَّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ.

وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ وَصْفِهِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَجْعَلُ الْوَكِيلَ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ، ثُمَّ الْبَائِعُ مِنْ الْمُوَكِّلِ.

وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>