للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَدَّاهَا عَلَى الْيَمِينِ أَقْرَعْتُ بَيْنَهُمَا لِهَذَا بِخَمْسَةٍ وَلِهَذَا بِسَهْمَيْنِ وَهُوَ عَوْدٌ مِنْهُ إلَى وَجْهِ الصُّلْحِ، وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْحُجَجِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ فَفِيهِ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الْقُرْعَةُ عِنْدَنَا فِيمَا يَجُوزُ الْفَصْلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَحُكْمُ الْحَادِثَةِ عِنْدَنَا أَنْ يُقْضَى بِالْمُدَّعَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَرَوَيْنَا فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ وَالْمَعْنَى مَا يَكُونُ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ اسْتِحْلَافُ الْمُدَّعِي مَعَ الْحُجَّةِ وَالْأُمَّةُ قَدْ اجْتَمَعَتْ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الصُّلْحِ فِي الْعَقَارِ]

(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُسَمَّاةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الصُّلْحَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ صُلْحٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَصُلْحٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَصُلْحٌ مَعَ السُّكُوتِ بِأَنْ لَمْ يُجِبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ وَلَا بِالْإِنْكَارِ وَيَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالسُّكُوتِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمْ يَعْمَلْ الشَّيْطَانُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ فِي إبْطَالِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِدَادِ الْمُنَازَعَاتِ بَيْنَ النَّاسِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَمَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ إنَّمَا أَبْطَلَهُ احْتِيَاطًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ وَلِلرِّشْوَةِ وَالْأَعْمَالِ بِالْبَيِّنَاتِ وَإِنَّمَا نَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْوَدُ مَا يَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ فَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى وَبِدَعْوَاهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَانَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ وَبِالصُّلْحِ لَا يَحِلُّ مَا هُوَ حَرَامٌ وَقَاسَ بِصُلْحِ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِيُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ أَوْ يُصْلِحَ الْقَائِلُ مَعَ الْإِنْكَارِ لِيَقْبِضَهُ مِنْهُ الْوَلِيُّ بِمَالٍ يُعْطِيهِ وَيُصْلِحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>