شَاهِدَةً فِي النِّكَاحِ، وَعِنْدَنَا هِيَ تَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَلِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ شَهَادَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَلَكِنَّ فِيهَا ضَرْبَ شُبْهَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَغْلِبُ الضَّلَالُ وَالنِّسْيَانُ عَلَيْهِنَّ كَمَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] وَبِانْضِمَامِ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى تَقِلُّ تُهْمَةُ النِّسْيَانِ، وَلَا تَنْعَدِمُ؛ لِبَقَاءِ سَبَبِهَا، وَهِيَ الْأُنُوثَةُ فَلَا تُجْعَلُ حُجَّةً فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَأَمَّا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ فِيهَا نَظِيرُ شَهَادَةِ الرِّجَالِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّ تُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي شَهَادَةِ الْحُضُورِ لَا تَتَحَقَّقُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ نِصْفَ الشَّاهِدِ وَبِنِصْفِ الشَّاهِدِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ
وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا وَسَنُقَرِّرُ هَذِهِ الْأُصُولَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتِمَادُنَا عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَتِهِ أَوْ ابْنَتِهَا أَوْ بِنْتِهِ مِنْهَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِحُضُورِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ امْتِنَاعَ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَا؛ لِنُقْصَانِ حَالِهِ بَلْ؛ لِتُهْمَةِ مَيْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تَتَمَكَّنُ هَذِهِ التُّهْمَةُ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِشَهَادَتِهِمَا
[تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيَّيْنِ]
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيَّيْنِ جَازَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُهُودٍ فَلَا يَصِحُّ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِينَ كَالْعَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا السَّمَاعَ شَهَادَةٌ، وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُمَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ، وَشَرْطُ الِانْعِقَادِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ كِلَا شَطْرَيْ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَمِعَ الشَّاهِدَانِ كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِ الزَّوْجِ، وَلَهُمَا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَافِرَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي الْعَقْدِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ أَيْضًا كَالْمُسْلِمِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ رُكْنُ الْعَقْدِ وَالشَّهَادَةَ شَرْطُهُ فَإِذَا كَانَ يَصْلُحُ الْكَافِرُ لِلْقِيَامِ بِرُكْنِ هَذَا الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَقُومَ بِشَرْطِهِ كَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِشْهَادِ هُوَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ الْبُضْعَ، وَلَا يَتَمَلَّكُ إلَّا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الْمَالَ، وَالشُّهُودُ لَيْسُوا بِشَرْطٍ؛ لِتَمَلُّكِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute