عَلَى أَحَدٍ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ مَالًا بِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَتَحْصِيلِهِ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى الْمَالَ رَجَعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا فَفَعَلَ فَالْوَلَاءُ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا عَنْهَا، فَإِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهَا يَنْدَرِجُ هُنَاكَ فَيَتَقَرَّرُ فِيهَا رَقَبَةُ الْأَبِ صَدَاقًا لَهَا، وَهُنَا لَا يَنْدَرِجُ التَّمْلِيكُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَيَبْقَى النِّكَاحُ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا.
(قَالَ): وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ، يَعْنِي أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تُعْتِقَ أَبَاهُ فَالْعِتْقُ عَنْهَا، وَالْأَبُ مَوْلًى لَهَا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا مَنْفَعَةَ الْوَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنَلْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا فَلِهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ عَلَى الْآمِرِ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ، وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَفِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآمِرُ بِذَلِكَ امْرَأَةَ الْعَبْدِ فَسَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ الرَّقَبَةَ وَذَكَرَ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَفَعَ عَلَيْهَا حَتَّى كَلَّمَتْهُ فَأَعْتَقَ عَنْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خَمْسِينَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةِ يَمِينِهَا. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ، وَبِالِاتِّفَاقِ بِدُونِ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَفَّرَتْ يَمِينَهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَعْتَقَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ كَلَّمَتْهُ وَذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَعْتَقَتْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَبِيدًا مِنْ تِلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَجَعَلَ إلَيْهَا ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَلَاءِ]
(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَا وَارِثَ لَهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِالْوَلَاءِ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يُفَسِّرَا الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute