قَدْ تَنَاوَلَهَا تَبَعًا وَلِهَذَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ حَقٌّ عَتَقَ لِجِهَةٍ أُخْرَى فَإِذَا أَدَّتْ الْأُخْرَى عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ عَجَزَتْ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دَبَّرَ لَمْ يَرْفَعْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّتَهَا مِنْ الْبَدَلِ لِتَغَيُّرِ حُكْمِ الْعَقْدِ فِيهَا بِالْإِعْتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَةَ مِنْهُمَا سَقَطَ حِصَّتُهَا وَجُعِلَ كَالْقَابِضِ لِلْمَالِ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْأُخْرَى يُجْعَلُ كَالْقَابِضِ لِحِصَّتِهَا مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى إنَّمَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ عَنْهُمَا وَلَوْ أَدَّتْ الْغَائِبَةُ وَجَبَ الْقَبُولُ مِنْهَا فَكَذَلِكَ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يُدَبِّرْهَا وَلَكِنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَلَدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَكَذَلِكَ لَا يَبِيعُ وَلَدَهَا وَأَكْرَهُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ امْتَنَعَ بَيْعُهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ.
وَإِنْ قَتَلَتْ فَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتُهَا، وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ عَتَقَتْ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ نَفْسِهَا كَكَسْبِهَا وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ كَسْبٍ كَانَ يُوَفِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهَا وَيَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهَا فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ الْمَوْلَى مُسْتَوْفِيًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً فَأَدَّتْ الْكِتَابَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ مِنْ خَلْفِهَا وَهُوَ الْوَلِيُّ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ]
(قَالَ) رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى عَبْدٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ عَلَى وَصَيْفٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَلَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ هَذَا عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الصَّدَاقِ ثُمَّ قِيمَةُ الْوَصِيفِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَإِنْ جَاءَ بِوَصِيفٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذَا فِي النِّكَاحِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ وَمَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute