للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُجْزِئُهُ. (فَإِنْ قِيلَ) فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ: التَّمْلِيكُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ عِنْدَكُمْ حَتَّى يَتَأَدَّى بِالتَّمْكِينِ مِنْ الطَّعَامِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. (قُلْنَا): لَا يُعْتَبَرُ التَّمْلِيكُ عَنْ وُجُودِ مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِعْلُ الْإِطْعَامِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ أَعْطَى مِنْهَا ابْنَ السَّبِيلِ مُنْقَطِعًا بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِصَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَةِ مَنْ هُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ.

وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينَانِ، فَكَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبَيْنِ عَنْهُمَا أَجْزَأَهُ عَنْ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الطَّعَامِ.

وَإِذَا كَسَا مِسْكِينًا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمِسْكِينُ، فَوَرِثَهُ هَذَا مِنْهُ، أَوْ اشْتَرَاهُ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَفْسُدْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَأَدَّى بِوُصُولِ الثَّوْبِ إلَى يَدِ الْمِسْكِينِ، وَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ بِمَا اعْتَرَضَ لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الزَّكَاةِ نَظِيرَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهَا، وَتُهْدِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقُولُ: هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ»، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الْمِلْكِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، وَفِي حَدِيثِ «أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ بِحَدِيقَةٍ لَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا مِنْهَا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ قَبِلَ مِنْك صَدَقَتَكَ، وَرَدَّ عَلَيْكَ حَدِيقَتَكَ». وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الصِّيَامِ]

(قَالَ): وَإِذَا حَنِثَ الرَّجُلُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ فِي يَوْمٍ مُفْطِرًا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ؛ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ مِنْ النَّهَارِ صَوْمُ يَوْمٍ تَوَقَّفَ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّيَّةَ تَسْتَنِدُ إلَيْهِ، وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ عَيْنًا فِي الْوَقْتِ دُونَ مَا يَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فِي هَذَا الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَقْبِلَ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَالِيَةً عَنْ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ، فَلَا تُعْذَرُ فِيهَا بِالْإِفْطَارِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ، بِخِلَافِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الصَّوْمِ، وَلَا يُجْزِي الصَّوْمُ عَنْ هَذَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْمُعْسِرِ مَالٌ غَائِبٌ عَنْهُ، أَوْ دَيْنٌ، وَهُوَ لَا يَجِدُ مَا يُطْعِمُ أَوْ يَكْسُو

<<  <  ج: ص:  >  >>