للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَتَى كَانَ عِتْقُ الْعَبْدِ لِتَمَلُّكِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَالْمُرَاغَمِ.

وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ إذَا أَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ يَهْرَبَ مِنْهُ إلَيْنَا بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالْعِتْقُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَهْرِ فَإِنَّ حُرِّيَّتَهُ تَتَأَكَّدُ بِإِسْلَامِهِ فَلِهَذَا نَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِمَّنْ بَاشَرَ سَبَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَقَدْ بَاشَرَ الْحَرْبِيُّ هُنَا اكْتِسَابَ سَبَبِ الْوَلَاءِ وَهُوَ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ وَكُلُّ مُعْتَقٍ يَجْرِي عَلَيْهِ السَّبْيُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْمَوْلَى حَرْبِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إنْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْوَلَاءِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوَلَاءِ أَنَّ لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَاؤُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَعَلَ ذَلِكَ الِاسْتِحْسَانَ مِنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُسْلِمِ خَاصَّةً يُعْتَقُ الْحَرْبِيُّ أَنَّ لَهُ وَلَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَ مُسْلِمًا حُكْمُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَفِي التَّعْلِيلِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا.

وَفِي قَوْلِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَشَارَ إلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَاشْتَبَهَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلَيْنِ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حَرْبِيٌّ فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْنَا فَقَدْ خَرَجَ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَاصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ لِلْغُرَمَاءِ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>