فِي هَذِهِ كَالدَّابَّةِ اعْتِبَارًا لِمَنْفَعَةِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الصَّيْدِ]
(كِتَابُ الصَّيْدِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ الِاصْطِيَادَ مُبَاحٌ فِي الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَأَدْنَى دَرَجَاتِ صِفَةِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] الْآيَةَ، وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» فَعَلَى هَذَا بَيَانُ أَنَّ الِاصْطِيَادَ مُبَاحٌ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فَسَبَبُهُ يَكُونُ مَشْرُوعًا، وَهُوَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الصَّيْدُ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لِمَا فِي اصْطِيَادِهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ بِجِلْدِهِ أَوْ دَفْعِ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ.
وَالْحَيَوَانَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنْهَا مَا لَا دَمَ لَهُ، فَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا السَّمَكَ، وَالْجَرَادَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَنَاوُلِ الْحَيَوَانَاتِ الذَّكَاةُ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ لَهُ فِيمَا لَا دَمَ لَهُ، إلَّا أَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ مُسْتَثْنَى بِالنَّصِّ مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الذَّكَاةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيِّتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» وَمَالَهُ دَمٌ نَوْعَانِ مُسْتَأْنَسٌ، وَمُسْتَوْحِشٌ، فَاَلَّذِي يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْمُسْتَأْنَسِ بِالِاتِّفَاقِ الْأَنْعَامُ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالدَّجَاجُ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: ٥] وَقَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: ٧٩] وَفِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمُتَأَنَّسِ نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمُسْتَوْحَشُ نَوْعَانِ: مِنْهَا صَيْدُ الْبَحْرِ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا سِوَى السَّمَكِ، وَمِنْهَا صَيْدُ الْبَرِّ، وَيَحِلُّ تَنَاوُلُهَا إلَّا مَا لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» وَلِمَعْنَى الْخُبْثِ فِيهِمَا، فَإِنَّ مِنْ طَبْعِهِمَا الِاخْتِطَافَ وَالِانْتِهَابَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ أَثَرِ ذَلِكَ فِي خُلُقِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْغِذَاءِ مِنْ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ، فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعْدِي» وَالْمُسْتَخْبَثُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَلِهَذَا حَرَّمَ تَنَاوُلَ الْحَشَرَاتِ، فَإِنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ طَبْعًا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَنَا أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] فَقَدْ أَكْرَمَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ حَيْثُ خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَ بِهِ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute