للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ فَقَدْ صَارَ مُكَذَّبًا فِيمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ رَسُولًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَحَقُّ الْغَائِبِ فِيهَا ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ مُصَدِّقًا لَهُ فِيمَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ فَقَدْ انْتَهَتْ الرِّسَالَةُ بِإِيصَالِ الْمَالِ إلَيْهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَإِذَا أَقَرَّ الْخَيَّاطُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لِفُلَانٍ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الثَّانِي فَإِنَّ إسْلَامَهُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ سَبَبًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّسَالَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصُّنَّاعِ. وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِهَذَا الثَّوْبِ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا، وَهُوَ لِفُلَانٍ وَادَّعَيَاهُ فَهُوَ لِلَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِهِ، وَلَيْسَ لِلثَّانِي شَيْءٌ، وَهَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: دَفَعَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَهُوَ لِفُلَانٍ.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ فُلَانٍ فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ مَعَ فُلَانٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَعَارَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ لِلْمُعِيرِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ مِنْهُ دُونَ الَّذِي أَوْصَلَهُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الرِّسَالَةِ.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَتَاهُ بِهَذَا الثَّوْبِ عَارِيَّةً مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ فَادَّعَاهُ فَهُوَ لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَوَّلًا بِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَذَلِكَ يُلْزِمُهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاقْتِضَاءِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا، فَقَالَ فُلَانٌ: أَخَذْتَ مِنِّي هَذَا الْمَالَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَالَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا وَكُنَّا نَقُولُ الِاقْتِضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ يَسْتَوْفِي مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ مِثْلَ مَالِهِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَالْقَبْضُ الْمَضْمُونُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِدَعْوَاهُ، وَلَكِنْ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، فَإِذَا جَانَبَ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ أَوْ هِبَةً وَهَبَهَا لَهُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ مَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>