للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ التَّضْحِيَةُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقِ، وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالتَّصَدُّقِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَأَمَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَدْ سَقَطَ مَعْنَى التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَرَمُ، وَفِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ.

وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّبَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فَيَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهَا وَالتَّقَرُّبُ بِالْمَالِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يَتَقَرَّبُ بِسَبَبَيْنِ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْآخَرِ فَيَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ، وَلَا عَنْ امْرَأَتِهِ كَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ.

قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا)؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ ثَبَتَ فِي عَيْنِهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ عَيْنِهَا وَالْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِلتَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ مَقْصُودًا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلِأَنَّ الشَّرَائِطَ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ أَصْلٌ وَوُجُودُهَا فِي الْأَصْلِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ يَثْبُتُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَالِيَّتَهُ إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ إنْ أَمْسَكَ وَلَدَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْهَا إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ «. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا دُونَ هَذَا لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك».

[بِيعَ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الذَّبْحِ]

قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الذَّبْحِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ. وَقَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِجِلَالِهَا وَخَطْمِهَا، وَلَا تُعْطِ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا» فَكَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ جِلْدَهَا الْجَزَّارَ. فَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجِلْدَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ مَتَاعًا لِلْبَيْتِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَبَغَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ فِي بَيْتِهِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ يَشْتَرِي بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْجِرَابَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ الْخَلَّ وَالْمَرِيَّ وَالْمِلْحَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>