للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِي اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ، وَلِهَذَا لَوْ خَلَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالٍ، وَقَبِلَتْ كَانَ الْوَاقِعُ بَائِنًا بِخِلَافِ لَفْظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا أُكْرِهَ الْقَاتِلُ بِقَتْلٍ، أَوْ حَبْسٍ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ الْوَلِيَّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، فَصَالَحَهُ بَطَلَ الدَّمُ لِوُجُودِ الْقَبُولِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَيَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ.

وَلَوْ خَلَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَبِلَتْ، وَقَعَ الْخُلْعُ لِوُجُودِ الْقَبُولِ مِنْهَا، وَلَمْ يَجِبُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ لَا يُنَافِي التَّكَلُّمَ بِالْقَبُولِ، وَلَكِنْ يُنَافِي صِحَّةَ الْتِزَامِ الْمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ مِنْهُ عِوَضًا عَنْ مَالٍ لَا يَكُونُ صَحِيحًا، فَعَنْ غَيْرِ مَالٍ أَوْلَى، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَمُ عَمْدٍ، فَصَالَحَهُ عَنْهُ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ عَلَى مَالٍ ضَمِنَهُ لَهُ الْغُلَامُ عَلَى إنْ عَفَا جَازَ الْعَفْوُ لِوُجُودِ الْقَبُولِ مِمَّنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ يُنَافِي الْتِزَامَ الْمَالِ بِجِهَةِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا، أَوْرَدَ هَذَا لِإِيضَاحِ مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ الْعَبْدُ عَلَى أَنْ يَقْبَلَ الْعِتْقَ مِنْ مَوْلَاهُ بِمَالٍ قَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ عَتَقَ لِوُجُودِ الْقَبُولِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْعَبْدِ بِالْتِزَامِ الْمَالِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَإِنَّمَا يَعْدَمُ الرِّضَا بِهِ، وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِدُونِ الرِّضَا بِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْقَوَدِ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ إنْ كَانَ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ قَتْلٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهُ بِحَبْسٍ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِتْلَافَ إنَّمَا يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْإِلْجَاءِ التَّامِّ، وَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ بِالْقَتْلِ دُونَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ.

[بَابُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا وَالْقَطْعِ.]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا، أَوْ غَيْرَهُ أَكْرَهَ رَجُلًا حَتَّى زَنَى، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ سُلْطَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا: وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ، وَلَا تَنْتَشِرُ آلَتُهُ إلَّا بِلَذَّةٍ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ، فَمَعَ الْخَوْفِ لَا يَحْصُلُ انْتِشَارُ الْآلَةِ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ الْمَرْأَةُ فِي الزِّنَا مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَمَعَ الْخَوْفِ يَتَحَقَّقُ التَّمْكِينُ مِنْهَا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَا تَشْعُرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ جَانِبِ الرَّجُلِ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>