للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْسَتْ بِنُسُكٍ مَقْصُودٍ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ شَيْءٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ بِهَا فِي لَيَالِي الرَّمْيِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

[بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ]

(بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ) (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَبْدَأُ إذَا وَافَى مِنًى بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالذَّبْحِ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ بِالْحَلْقِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ»، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ وَالْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ بِالذَّبْحِ فَيُقَدَّمُ الرَّمْيُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ الذَّبْحُ فِي مَعْنَى التَّحَلُّلِ دُونَ الْحَلْقِ فَإِنَّ الْحَلْقَ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ وَالذَّبْحُ لَا، فَكَانَ الذَّبْحُ مُقَدَّمًا عَلَى الْحَلْقِ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ؛ نَفَى ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقْتَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ رَمَى بِاللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقْتُهُ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ يَكُونُ قَضَاءً وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا يَرْمِي ذَلِكَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الرَّمْيِ، وَمَا عُرِفَ الرَّمْيُ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَتَحَقَّقُ فَوَاتُهُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ يَمْتَدُّ وَقْتُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَ مِنْ الرَّمْيِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ فِي حُكْمِ نُسُكٍ وَاحِدٍ.

وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُ وَزَمَانُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ فِيهِ إلَّا بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، وَذَلِكَ بِمُضِيِّ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَاسَ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَقْضِيهَا بِالتَّكْبِيرَاتِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّصِّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ»، وَذَهَابُ تَمَامِ الْيَوْمِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقِيسُ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِالرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَقُولُ كَمَا أَنَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقْتَ الرَّمْيِ نِصْفُ الْيَوْمِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقْتُ الرَّمْيِ نِصْفُ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّهُ رَمَى بِاللَّيْلِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا»، وَلِأَنَّ الْيَوْمَ لَمَّا كَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ فَاللَّيْلُ يَتْبَعُهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>