للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ اسْتَوَتْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَفِي الْحُرِّ زِيَادَةُ إثْبَاتٍ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْحُرُّ، وَإِنَّمَا ادَّعَاهُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ فَإِنَى أَقْضِي بِهِ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةً فَإِنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَكُونُ مُكَاتَبًا، وَالْكِتَابَةُ تُفْسِدُ الْعِتْقَ وَيَثْبُتُ بِهِ لِلْمُكَاتِبِ مِلْكُ الْيَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَكَانَ الْمُثْبِتُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى

قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى نَصْرَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ قَضَيْتُ بِهِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا قُوبِلَ بِدَيْنِ الْمَجُوسِيِّ فَدَيْنُ الْمَجُوسِيِّ شَرٌّ مِنْهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى تَحِلُّ، وَكَذَلِكَ مُنَاكَحَتُهُنَّ، وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ الْمَجُوسِيِّ وَمُنَاكَحَتُهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ حَالُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ مَعَ الْمَجُوسِيِّ كَحَالِ الْمُسْلِمِ مَعَ الْيَهُودِيِّ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَوْلُودَ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ وَالْكِتَابِيِّ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِيِّ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَتَرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِدَعْوَى النَّسَبِ بِدَعْوَى الْمِلْكِ

وَلَوْ ادَّعَى مُسْلِمٌ، وَكَافِرٌ مِلْكًا، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَمْ تَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي دَعْوَى الْمِلْكَيْنِ: لَيْسَ فِي بَيِّنَةِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ يَسْتَوِيَانِ فَأَمَّا فِي النَّسَبِ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لِلْوَلَدِ فَتَتَرَجَّحُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لِهَذَا

قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ وَادَّعَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ يَقْضِي لِلْحُرِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ وَذَلِكَ مَنْفَعَةٌ عَاجِلًا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ لَا يُمْكِنُهُ اكْتِسَابُ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يَهْدِيهِ فَيُسْلِمَ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى فِي حَقِّهِ

قَالَ: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ فَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهَا، وَلَدْته، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَمْ يُسَمُّوا أُمَّهُ جَعَلْته ابْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ مُمْكِنٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ فِي قَبُولِ بَيِّنَتِهَا مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ الرَّجُلِ فَقَضَيْنَا بِالنَّسَبِ مِنْهُمَا، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَضَاءُ بِالْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا وَمَا ثَبَتَ لِضَرُورَةِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ كَالْمَشْهُودِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ دَعْوَى الرَّهْطِ فِي الدَّارِ]

(بَابُ دَعْوَى الرَّهْطِ فِي الدَّارِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلٌ جَمِيعًا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَادَّعَى آخَرُ نِصْفَهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَسِّمُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ وَرُبُعُهَا لِمُدَّعِي النِّصْفِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقَسِّمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>