حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَضَاهَا حِينَ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا أَفْسَدَهَا فَقَدْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْذُورَةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَوْ أَدَّاهَا حِينَ افْتَتَحَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ إذَا قَضَاهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَالْمُؤَدَّى حِينَ شَرَعَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
رَجُلٌ صَلَّى بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَامَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ فَتَكَلَّمُوا ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ حَصَلَتْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مُقِيمِينَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ وَمَنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمْ فِي صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حُرْمَتِهَا فِي وَقْتٍ لَوْ خَرَجَ إمَامُهُمْ مِنْهَا كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ.
وَمَنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمْ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَرْضُ الْإِمَامِ، وَمَنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمْ بَعْدَمَا نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ تَغَيَّرَ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ الْإِقَامَةَ فَيَكُونُ هُوَ مُتَكَلِّمًا فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَامَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَهَذَا الرَّجُلُ خَارِجٌ مِنْ صَلَاتِهِ يُتِمُّ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ انْفِرَادُهُ حِينَ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَتِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدِي بِهِ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ انْفِرَادُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْكِمْ انْفِرَادُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ فَكَانَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَقُمْ بَعْدُ مِنْ الْمُقِيمِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَكِنَّهُ سَجَدَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ.
وَمَنْ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ انْفِرَادَهُ إنَّمَا اسْتَحْكَمَ بِتَقْيِيدِهِ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ الرَّفْضَ وَالرَّكْعَةُ الْكَامِلَةُ لَا تَحْتَمِلُهُ؛ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute