الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْذَنُ الْعَبْدُ فِيهِ، وَإِنْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التَّزْوِيجِ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَهْرَهَا وَيُسْقِطُ نَفَقَتَهَا عَنْ نَفْسِهِ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَيْسَ مِنْ صُنِعَ التُّجَّارِ عَادَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَجُوزُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ نُفُوذِهِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ فِيهَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ مِنْ حِينِ عُقِدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ، وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلِأَنَّ وَلَدَهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا وَهِيَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ بِمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا، وَالْكَسْبُ بَدَلُ مَنَافِعِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ رَدٌّ لِلْمُكَاتَبَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ بَاعَهُ كَانَ رَدًّا لِلْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَوْ بَاشَرَ هَذَا التَّصَرُّفَ فِيهَا كَانَ رَدًّا لِلْمُكَاتَبَةِ فَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُسَلِّمُ لَهَا بِنُفُوذِ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَازَةِ وَمَقْصُودُ الْمَوْلَى تَصْحِيحُ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ فَجَعَلْنَاهُ فَاسِخًا لِهَذَا، وَلَكِنْ فِيهِ بَعْضُ الْإِشْكَالِ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِتْقِ الْوَلَدِ، وَبَيْنَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا كَانَ عِتْقُهُ صَحِيحًا نَافِذًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ رَدًّا لِلْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ صِغَارٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ جَازَتْ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كُلُّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْوَلَدِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فِي إلْزَامِ الْبَدَلِ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ مَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ.
وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ عِتْقِ السَّيِّدِ الْوَلَدَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ لُزُومِ الْكِتَابَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute