وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشُّفْعَةِ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا بِدُونِ السَّبَبِ، وَفِي الْأُخْرَى؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَأْخُذُ الَّذِي هُوَ شَفِيعُهَا خَاصَّةً، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَدَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ الْعَبْدِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ هُنَا لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِ الشَّفِيعِ، بَلْ هُوَ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إحْدَاهُمَا لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ شُفْعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَاغِي، وَالْعَادِلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَتَسْلِيمِهَا سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الشُّفْعَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ، كَالْمُسْلِمِينَ فَأَهْلُ الْبَغْيِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْعَادِلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَالْبَاغِي فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ إنْ عَلِمَ فَلَمْ يَبْعَثْ وَكِيلًا بَطَلَتْ شُفْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى اصْطَلَحُوا، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا عَلِمَ وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الدَّارُ الْمَبِيعَةُ فَجَاءَ إلَى هَذَا الْمِصْرِ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْصِدْ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَحِقُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اتِّبَاعِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَبِيعُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي، فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الدَّارُ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَلَبِ التَّقْرِيرِ، وَذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا، فَقَدْ خَرَجَ الْبَائِعُ مِنْ الْوَسَطِ، ثُمَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ أَقْرَبَ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمْ فَيَشْهَدُ فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ وَجَاءَ إلَى الْأَبْعَدِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ حَتَّى قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ وَأَتَى الْأَبْعَدَ فَأَشْهَدَ عِنْدَهُ فَفِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَالْكَثِيرَ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ شُرِطَ فِي السِّلْمِ التَّسْلِيمُ فِي الْمِصْرِ يَكْفِي وَإِذَا اتَّخَذَ الْمَكَانَ حُكْمًا، فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ فِي ذَلِكَ.
وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ دَارًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute