[بَابُ نَوَادِرِ الصَّلَاةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بُنِيَ مَسَائِلُ أَوَّلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَبَيْنَ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاجِبٌ إلَّا فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ كَثْرَةِ الْفَوَائِتِ (وَقَالَ): لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَسِيَ الظُّهْرَ فَصَلَّى مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْعَصْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ عِنْدَ الشُّرُوعِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَإِذَا ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَصْرِ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الْعَصْرِ أَيْضًا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَبْصَرَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي قَوْلِهِ: يَقْطَعُ الْعَصْرَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَذَكُّرِ الظُّهْرِ لَا يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الْعَصْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاشْتِبَاهِ الْآثَارِ فِيهِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْعِبَادَاتِ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَتَمَامُ الِاحْتِيَاطِ فِي أَنْ يَقْطَعَ الْعَصْرَ قَالَ: فَإِنْ مَضَى فِي الْعَصْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَصْرِ ثُمَّ يُجْزِئُهُ عَنْ التَّطَوُّعِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَوَاهُ الْحَسَنُ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُجْزِئُهُ عَنْ التَّطَوُّعِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلصَّلَاةِ جِهَةً وَاحِدَةً فَإِذَا فَسَدَتْ صَارَ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِفَسَادِ الْجِهَةِ لَا يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا اعْتَرَضَ مُنَافِيًا لِأَصْلِ الصَّلَاةِ، وَتَذَكُّرُ الظُّهْرِ لَا يُنَافِي أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءَ الْعَصْرِ فَيَفْسُدُ الْعَصْرُ وَيَبْقَى أَصْلُ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْعَصْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ فَقَالَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ: عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute