للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّارِ لَا يُعَارِضُ الْأَبَوَيْنِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا سُبِيَ وَمَعَهُ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً وَلَا يَكُونُ الدَّارُ مُعَارِضًا لِلْأَبِ فِي الِابْتِدَاءِ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لِلْوَلَدِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَلَدُ مُرْتَدًّا لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يُورَثُ مِنْهُ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ يَكُونُ فَيْئًا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَسْبُ الرِّدَّةِ يُورَثُ عَنْهُ كَكَسْبِ الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ لِبَيْتِ الْمَالِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ فَيْءٌ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَسْأَلَتَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَلَاءِ]

(قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -): اعْلَمْ بِأَنَّ الْوَلَاءَ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ فَصُورَةُ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَيَصِيرَ الْمُعْتَقُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُعْتَقِ بِالْوَلَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا وَلَاءَ النِّعْمَةِ وَوَلَاءَ الْعَتَاقَةِ، وَبِهَذَا الْوَلَاءِ يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى شَيْئًا وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِوَجْهِ السُّلْطَانِ أَوْ أَعْتَقَهُ سَائِبَةً أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي إنْ أَعْتَقَهُ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْكِتَابَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَعْتَقَهُ لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِلَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَعْنِي مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ مِنْ الْمُعْتِقِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّلَةَ مَنْ يُعْتِقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْمُعْتِقُ لِوَجْهِ السُّلْطَان جَانٍ فِي قَصْدِهِ فَيُحْرَمُ هَذِهِ الصِّلَةَ وَاَلَّذِي يُصَرِّحُ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ يَكُونُ مُرَادُهُ لِهَذِهِ الصِّلَةِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَنَظِيرُهُ الرَّجْعَةُ عَقِيبَ الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ ثُبُوتُهُ شَرْعًا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ التَّصْرِيحُ بِالْحُرْمَةِ وَالْبَيْنُونَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ مُتَحَقِّقٌ مَعَ قَصْدِهِ وَشَرْطِهِ، وَهَذَا الْإِعْتَاقُ وَالْحُكْمُ يَتْبَعُ السَّبَبَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ الْإِعْتَاقُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» «وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدٍ فَسَاوَمَهُ وَلَمْ يَشْتَرِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِآخَرَ فَسَاوَمَهُ فَاشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ».

وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَعْتَقَهُ سَائِبَةً، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ يَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتِقَ مُسَبَّبٌ لِإِحْيَاءِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ تَلَفٌ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ تُثْبِتُ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي بِهَا امْتَازَ الْآدَمِيُّ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَكَانَ الْمُعْتِقُ سَبَبًا لِإِحْيَاءِ الْمُعْتَقِ كَمَا أَنَّ الْأَب سَبَبٌ لِإِيجَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>