للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَلَدِ فَكَمَا أَنَّ الْوَلَدَ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى أَبِيهِ بِالنَّسَبِ وَالْمُعْتَقَ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] الْآيَةَ أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْكَافِرَ فِي مَعْنَى الْمَيِّتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] فَبِالْإِسْلَامِ يَحْيَا حُكْمًا وَالرَّقِيقُ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ فَبِالْعِتْقِ يَحْيَا حُكْمًا فَالْمُسَبَّبُ لِإِحْيَائِهِ يَكُونُ مُنْعِمًا عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَا يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي قُلْنَا لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَيْضًا، ثُمَّ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَلَكِنْ يُورَثُ بِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ: الْوَلَاءُ جُزْءٌ مِنْ الْمِلْكِ يُورَثُ عَنْهُ كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْمِلْكِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ شَيْءٌ سِوَى الْمِلْكِ، وَالْإِعْتَاقُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُثْبِتًا شَيْئًا آخَرَ سِوَاهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا بَعْضَ الْمِلْكِ غَيْرَ مُبْطِلٍ لِلْبَعْضِ فَمَا يَبْقَى يَكُونُ جُزْءًا مِنْ الْمِلْكِ وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، ثُمَّ الْإِعْتَاقُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ وَمَعَ إبْطَالِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمِلْكِ وَلَكِنَّهُ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إحْيَائِهِ حُكْمًا فَيُعْقِبُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، ثُمَّ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِأَكْبَرِ بَنِي الْمُعْتِقِ بَعْدَهُ وَقَالَ الْأَكْبَرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي الذَّبِّ عَنْ الْعَشِيرَةِ «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الْأَكْبَرَ بِقَوْلِهِ الْكُبْرُ» فَيُقَدَّمُ أَكْبَرُ الْبَنِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ لِهَذَا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْبَرِ الْأَقْرَبُ يَعْنِي أَنَّ أَقْرَبَ الْبَنِينَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ عَنْ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ خَاصَّةً دُونَ ابْنِهِ فِي قَوْلٍ.

وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ عَنْ ابْنِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ فَالْمِيرَاثُ بِالْوَلَاءِ لِابْنِ الِابْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ.

فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ عَنْ أَبٍ وَابْنٍ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً دُونَ أَبِيهِ فِي قَوْلِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَاءِ بِالْعُصُوبَةِ وَالْأَبُ فِي حُكْمِ الْعُصُوبَةِ كَالِابْنِ فَإِنَّهُ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَالِابْنِ إلَّا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي مِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَصِيرُ مَحْرُومًا عَنْ مِيرَاثِهِ لَوْ قَدَّمْنَا الِابْنَ بِالْعُصُوبَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْفَرْضِيَّةِ فَأُولَى الْوُجُوهِ أَنْ يَجْعَلَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ كَمِيرَاثِ الْمُعْتِقِ وَيَجْعَلَ كَأَنَّ الْمُعْتَقَ الَّذِي اسْتَحَقَّ ذَلِكَ، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ أَبُوهُ وَابْنُهُ فَيَكُونُ مَقْسُومًا

<<  <  ج: ص:  >  >>