النِّكَاحِ لَا بِإِقْرَارِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فِي الْمَرَضِ يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا لَهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ إقْرَارِهِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ مَهْرِهَا مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ وَارِثِهَا، فَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ وَارِثِهِ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ وَارِثِ الْمَرِيضِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهُوَ جَائِزٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْمَرِيضِ كَانَ إلَى مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ لَا إلَى وَارِثِهِ، ثُمَّ وَارِثُهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي إمَّا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لِوَارِثِهِ فَلَمْ يُمَكَّنْ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ.
وَإِذَا كَانَ دَيْنُ الصِّحَّةِ يُحِيطُ بِمَالِ الْمَرِيضِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ أَقْرَضَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْفَيْتُهَا لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ هُنَاكَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْعِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهِ مَا دَامَ دَيْنًا، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْمُبَايَعَةُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي الْمَرَضِ فَحَقُّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَبِيعِ فَتَحَوَّلَ إلَى بَدَلِهِ وَمَا اسْتِحْقَاقُ الْمُشْتَرِي هُنَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ مَالٍ يَقُومُ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي حَقٍّ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهِ فَلِهَذَا لَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي مَرَضِهِ، وَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ دَيْنًا وَجَبَ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مُعَايَنٍ فَهُوَ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ دَيْنًا وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي إثْبَاتِ الْمُحَاصَّةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ الْأُخَرِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا لَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ بِالْمُقَاصَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حِصَّةٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَتَخْصِيصُ الْمَرِيضِ بَعْضَ غُرَمَاءَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا يَصِحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ]
(بَابُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) (قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ نَفْسَ الْمَقْتُولِ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ الْقَتْلِ أَوْ عِنْدَ عَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ)؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَالْحَقِّ فِي نَفْسِهِ لَهُ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَصْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى عَنْ أَيْسَرِ الْمَالَيْنِ قَضَاءً لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute