للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمُضَارَبَةِ الْأَخِيرَةِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا بِالْخَلْطِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا.

وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ بِرَأْيِهِ فَخَلَطَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ.

وَلَوْ كَانَ رَبِحَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ رِبْحًا، ثُمَّ خَلَطَهُمَا ضَمِنَهُمَا جَمِيعًا مَعَ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ خَلْطُ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي كُلِّ مَالٍ، وَمَا رَبِحَ فِيهِمَا بَعْدَ مَا خَلَطَهُمَا فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَيْنِ بِالضَّمَانِ، فَمَا رَبِحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَرَامٍ إلَّا حِصَّةَ رِبْحِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلِطَهَا فَإِنَّهَا حَلَالٌ لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ لَا حِنْثَ فِيهِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى ضَمَانِهِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُودِعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ، وَإِذَا كَانَ أَمَرَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِوُجُودِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِهِ فِي الْمُضَارَبَتَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْجَوَابُ فِي الْمُضَارِبَيْنِ إذَا خَلَطَا الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، أَوْ بَعْدَ مَا رَبِحَ أَحَدُهُمَا فِي مُضَارَبَتِهِ شَيْئًا، نَحْوُ الْجَوَابِ فِي الْمُضَارِبِ الْوَاحِدِ لِاسْتِوَاءِ الْفَصْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمُرَابَحَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ الْمُضَارِبَيْنِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ: الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مُفِيدٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مُضَارَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً كَيْفَ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، وَمَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ كُلُّهُ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلٌ لَهُ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي دَفَعَهَا الْأَوَّلُ إلَى الْبَائِعِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>