أَعْتَقَهَا فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَاءَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الْوَلَاءُ قَابِلٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لِمَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا، فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَيْهِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَعِنْدَمَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ.
قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فَيَكُونُ هَذَا كَحُكْمِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا، وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَى الْبَائِعِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَيَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ فَيَكُونُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَاطِلًا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْحَبَلَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَاَلَّذِي لَمْ يَبِعْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَالْعُلُوقُ حَصَلَ فِي مِلْكِهَا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مَا نَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِوَطْئِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ.
وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَقْدِ لِلشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ وَلَكِنَّ عَلَى الْبَائِعِ نِصْفَ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ سَوَاءٌ كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِشُبْهَةٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَقْدٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ شِرَائِهِ وَإِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَاب الِاسْتِبْرَاءِ]
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلْمَوَالِي فَيُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ لَا تَضْرِبْ فُلَانًا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute