للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحْرِمٌ جَرَحَ صَيْدًا ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَدَّاهَا لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ جِنَايَتُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ بِجُرْحِ الصَّيْدِ فَإِنَّمَا أَدَّى الْوَاجِبَ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فَإِذَا تَمَّ الْوُجُوبُ بِذَلِكَ السَّبَبِ جَازَ الْمُؤَدِّي كَمَا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ.

(قَالَ) وَإِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ، وَلَهُ فِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ بِحَضْرَتِهِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِالْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّ النَّاسَ يُحْرِمُونَ وَلَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ بُرُوجُ الْحَمَامَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ لِإِرْسَالِ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَا أُمِرَ بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ لِإِزَالَةِ الصَّيْدِ عَنْ مِلْكِهِ، وَتَعَرُّضُهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ بِحَضْرَتِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الصَّيْدُ غَائِبًا عَنْهُ فِي بَيْتِهِ لَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَرِّضًا لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّطَيُّبُ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِهِ.

(قَالَ) وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالدَّجَاجَةَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّيُودِ فَإِنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مُتَوَحِّشًا فَمَا لَا يَكُونُ جِنْسُهُ مُمْتَنِعًا مُتَوَحِّشًا لَا يَكُونُ صَيْدًا.

(قَالَ) وَكَذَلِكَ الْبَطُّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكَسْكَرِيُّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ هُوَ كَالدَّجَاجِ مُسْتَأْنَسٌ بِجِنْسِهِ فَأَمَّا الْبَطُّ الَّذِي يَطِيرُ فَهُوَ صَيْدٌ يَجِبُ الْجَزَاءُ فِيهِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْحَمَامُ أَصْلُهُ صَيْدٌ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ فِي الْمُسَرْوَلِ مِنْ الْحَمَامِ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنَسٌ لَا يَفِرُّ مِنْ النَّاسِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْحَمَامُ بِجِنْسِهِ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَكَانَ صَيْدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ قَدْ اُسْتُؤْنِسَ كَالنَّعَامَةِ وَحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

[الَّذِي يُرَخَّصُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ]

(قَالَ) وَاَلَّذِي يُرَخَّصُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ هُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً فَأَمَّا طَيْرُ الْبَحْرِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْمُحْرِمِ، وَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ صَيْدَ الْبَحْرِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] الْآيَةَ فَالْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالنَّصِّ قَتْلُ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْقَتْلُ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلِأَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مَا يَكُونُ بَحْرِيَّ الْأَصْلِ وَالْمَعَاشِ كَالسَّمَكِ فَأَمَّا الطَّيْرُ فَهُوَ بَرِّيُّ الْأَصْلِ بَحْرِيُّ الْمَعَاشِ لِأَنَّ تَوَالُدَهُ يَكُونُ فِي الْبَرِّ دُونَ الْمَاءِ فَيَكُونُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَكُونُ مَائِيَّ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَالضُّفْدَعِ جُعِلَ مَائِيًّا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ بَرِّيَّ الْأَصْلِ لَا يُرَخَّصُ لِلْمُحْرِمِ فِيهِ.

(قَالَ) مُحْرِمٌ اصْطَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>